حسن إدارة الزوجة لبيتها

09-07-2014, 06:52 PM

اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حسن إدارة الزوجة لبيتها
المنزل مؤسسة علاقات اجتماعية. تجري فيه خدمات عديدة، يحتاج إليها أفراد الأسرة جميعا. وهو أصغر حلقة من حلقات المجتمع الكبير الذي يتألف من أسر كثيرة.

إن العبء الملقى على عاتق الأم في إدارة المنزل لتحقيق طلبات أفراد الأسرة جميعا في مختلف المجالات، وبشكل عالي الأداء، ليس بالأمر السهل. خاصة في هذا الزمان الصعب الذي يأخذ فيه الإعلام حيزا لا يستهان به من أوقات الناس، كما أن عمل المرأة يأخذ حيزا كبيرا من وقتها -إن كانت تعمل- على حساب بيتها.
وعلى الأم أن تنجز أعمالا عديدة لإنجاح بيتها بشكل أمثل، فعمل الأم في المنزل يتطلب اختصاصات عديدة، ففيه «معهد للتربية» يتلقى فيه الأبناء أصول التربية وفروعها كما تعلمها وعاشها الأبوان، كما أن من مهام الأم أن تعد الطعام للأسرة، فهي أشبه ما تكون بمديرة «مطعم صغير» تعد فيه الوجبات الغذائية الثلاث يوميا لتغذية أفراد العائلة، وما يحتاجه هذا الإعداد من تنظيف للخضروات والفواكه وطهي للطعام، ومن ثم سكبه وتوزيعه وتنظيفه وترتيبه، والتفنن في أنواعه، كما أن المنزل أشبه ما يكون بـ«روضة أطفال» يتلقون فيها العلم، خاصة في البيوت كثيرة الأطفال، وما يحتاجه الأبناء من عناية واهتمام في مأكلهم وملبسهم ونظافتهم ولعبهم وتعليمهم، كما أن المنزل أشبه ما يكون بمحل «كي الثياب»، خاصة إذا كان دخل الأسرة محدودا.. وعندما تقوم الأم بالعناية بأطفالها وتسريح شعورهم، وخاصة البنات، تقوم بعمل «صالون للعناية بالشعر»، ومن الأمهات من يتقن عمل الخياطة حتى لأزواجهن وأولادهن الكبار، فضلا عن الصغار، فيكون المنزل أشبه ما يكون بـ«ورشة للخياطة». ومن الأمهات من هن حريصات -وإن كن قلة- على تثقيف أنفسهن سواء بقراءة مجلات وكتب أو بحضور دروس علم خارج المنزل، فتكون بذلك أشبه ما تكون بمنتسبة إلى «معهد ثقافي أو شرعي»، وكذلك فإن المنزل «مكان للعبادة» لأداء واجباتها الدينية تجاه ربها، منها الصلاة خمسة أوقات يوميا. ولم يلزمها الشرع حضور الجمع والجماعات في المسجد كما ألزم الرجال. أضف إلى كل ذلك تنظيف البيت وترتيبه، الترتيب الجميل، وكأن في المنزل «ورشة نظافة».
فالمسؤوليات الملقاة على عاتق الأمهات كثيرة. ولإدارة هذه الأعمال المختلفة بنجاح تحتاج المرأة إلى حسن في الإدارة. ومن مميزات الإدارة الناجحة:
- التمتع بالنشاط اللازم لإنجاز هــذه الأعمــــــــــــال.
- وضع سلم أولويات للأعمال المطلوب إنجازها.
- الاستيقاظ باكرا لإنجاز الأعمال الضروريــــــــــــــــــــة.
- عدم إضاعة وقتها علــى التلفـــــــــــاز والإنترنت.
- تنظيم علاقتها مع أهلها وجيرانها وصديقاتهـــا.
- مراعاة ظروف الزوج المادية، خاصة إن كان محدود الدخل.
- ألا يلغي اهتمامها بأولادها اهتمامها بزوجها، وما يستحق من عنايتها.
وغير ذلك من متطلبات الإدارة الناجحة.
وصف رسول الله " صلى الله عليه وسلم" نساء قريش فيما يرويه أبوهريرة، قال: سمعت أبا القاسم " صلى الله عليه وسلم" يقول: «خير نساء ركبن الإبل، نساء قريش، أحناه على ولد، وأرعاه على زوج في ذات يده» (فتح الباري شرح صحيح البخاري/ 5082)، إن حسن الإدارة في البيت وإعطاء كل عمل حقه من العناية والإنجاز، والصبر على إنجاز الأعمال المهمة، بنفس طيبة.. كل ذلك يساهم في أن يسود الأمان والاستقرار في البيت. إن الزوج الذي يأتي إلى البيت من عمله ليرتاح فيجد البيت غير مرتب، والأواني في المطبخ غير منظفة، والحمام وسخا، وغرفته وقد عبث بها الأطفال... سينزعج من هذه المناظر، ويصيبه توتر نفسي، خاصة إذا كان ممن يحبون النظافة والترتيب والنظام.
إن أهملت الزوجة شؤون بيتها وإنجاز الأعمال المهمة المطلوبة منها، فإن ذلك سيكون عامل إثارة للزوج، وبدء مرحلة من التوتر بينها وبين زوجها، والتي قد تتطور إلى صراع وخصومة، وهما في غنى عن ذلك.
هذه الأعمال العديدة المطلوبة من الزوجة لا يعني ذلك أن تقوم بها منفردة، بل على أفراد الأسرة مساعدتها في ذلك، والأب والأبناء مكلفون القيام بمساعدتها وعدم تركها تتدبر شؤون البيت وحدها، خاصة إن كانت الأم تمارس عملا خارج المنزل، فإنها تصل إلى المنزل متعبة تريد أن تأخذ راحتها من مشاق عملها. فضلا عن أن المرأة بشكل عام بما ينتابها قبل سن اليأس من الدورة الشهرية يصيبها شيء من الضعف كل شهر في جسمها لمدة لا تقل عن سبعة أيام، وقد يمتد إلى نفسيتها مما يتطلب مساعدتها حينذاك بشكل أكبر.
وتنتشر في بعض الأوساط الاجتماعية مفاهيم خاطئة عن مشاركة الرجل للزوجة في أعمال المنزل. تجعلهم يكفون عن مساعدة زوجاتهم، كما أن بعض الأبناء يأنفون من مساعدة أمهاتهم ويكلون تلك المهمة على عاتق الأخوات فقط. فإن تقاعس الزوج عن مساعدة زوجته والأبناء عن مساعدة أمهاتهم تراكم على الأم عبء كبير لا تطيقه.
وقـــد ضـــربت لـنا فاطمة بنت رسول الله " صلى الله عليه وسلم" وأسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما أمثلة عن تفانيهما في خدمة الأهل. فأما فاطمة رضي الله عنها فكان يشق عليها أعمال البيت فأشار عليها زوجها علي بن أبي طالب "رضي الله عنه" أن تطلب خادما من رسول الله " صلى الله عليه وسلم" يعينها في أعمالها، فقال لهما " صلى الله عليه وسلم" «هل أدلكما على خير لكما من حمر النعم؟ قال علي: يا رسول الله، نعم. قال: تكبيرات وتسبيحات وتحميدات، فإنه حين تريدان أن تناما فتبيتا على ألف حسنة ومثلها حين تصبحان، فتقومان على ألف حسنة» (1). وكذلك أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها، وما كانت تقوم به من خدمة زوجها الزبير بن العوام "رضي الله عنه" بالإضافة إلى أعمالها داخل البيت، وما تقوم به من أعمال خارجه تقول «فكنت أعلف فرسه وأستقي الماء وأخرز غربه وأعجن» (2).
نختم القول عن حسن الإدارة في البيت بأنه من الصفات المهمة لنجاح الزوجة، فهي تعتبر المسؤولة داخليا عنه، كما قال عليه الصلاة والسلام: «والمرأة راعية على بيت زوجها وولده»، فبقدر ما تهتم ببيتها وزوجها وأبنائها تكون ناجحة، وكذلك بقدر إهمالها تفشل في إدارة بيتها. ولا يعني كونها مسؤولة عن إدارة البيت حتى سميت «ربة البيت» أن لا تلتفت لملاحظات زوجها وأولادها حول شؤون البيت، وإنما تتقبل ملاحظاتهم بكل رحابة صدر، وأن تعلم أن القرار النهائي في شؤون البيت للزوج.
هوامش
1- حلية الأولياء 2/39.
2- صحيح البخاري/ 5224. غربه: دلوه، أي تخرج الماء من البئر.