04-25-2012, 03:17 PM | #1 | |
|
بعض ما نطق به القرآن من الكلام الموجز المعجز
[table1="width:70%;background-color:burlywood;border:9px double green;"]
| [/table1]بعض ما نطق به القرآن من الكلام الموجز المعجز من أراد أن يعرف جوامع الكلم ويتنبه على فضل الإعجاز والاختصار ويحيط ببلاغة الإيماء ويفطن لكفاية الإيجاز فليتدبر القرآن وليتأمل علوه على سائر الكلام 1-فمن ذلك قوله عزّ ذكره: "إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا" استقاموا كلمة واحدة تفصح عن الطاعات كلها في الائتمار والانزجار. وذلك لو أن إنساناً أطاع الله سبحانه مائة سنة ثم سرق حبة واحدة لخرج بسرقتها عن حد الاستقامة، 2-ومن ذلك قوله عز وجل: "لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ" فقد أدرج فيه ذكر إقبال كل محبوب عليهم وزوال كل مكروه عنهم ولا شيء أضر بالإنسان من الحزن والخوف لأن الحزن يتولد من مكروه ماض أو حاضر والخوف يتولد من مكروه مستقبل فإذا اجتمعا على امرئ لم ينتفع بعيشه بل يتبرم بحياته والحزن والخوف أقوى أسباب مرض النفس كما أن السرور والأمن أقوى أسباب صحتها فالحزن والخوف موضوعان بإزاء كل محنة وبلية. والسرور والأمن موضوعان بإزاء كل صحة ونعمة هنية. 3- ومن ذلك قوله عز اسمه: "لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ" فالأمن كلمة واحدة تنبئ عن خلوص سرورهم من الشوائب كلها لأن الأمن إنما هو السلامة من الخوف. والحزن المكروه الأعظم كما تقدم ذكره. فإذا نالوا الأمن بالإطلاق ارتفع الخوف عنهم وارتفع بارتفاعه المكروه وحصل السرور المحبوب. 4- ومن ذلك قوله تعالى ذكره " أَوْفُوا بِالْعُقُودِ " فهما كلمتان جمعتا ما عقده الله على خلقه لنفسه وتعاقده الناس فيما بينهم 5- ومن ذلك قوله سبحانه: "وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ " فلم يبق مقترح لأحد إلا وقد تضمنته هاتان الكلمتان مع ما فيهما من القرب وشرف اللفظ وحسن الرونق 6- ومن ذلك قوله عز وجل: " وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ" فهذه الكلمات الثلاث الأخيرة تجمع من أصناف التجارات وأنواع المرافق في ركوب السفن ما لا يبلغه الإحصاء 7- ومن ذلك قوله جل جلاله: "فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ" ثلاث كلمات اشتملت على شرائط الرسالة وشرائعها وأحكامها وحلالها وحرامها 8- ومن ذلك قوله جل ثناؤه في وصف خمر الجنة: "لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ" فهاتان الكلمتان قد أتتا على جميع معايب الخمر ولما كان منها ذهاب العقل وحدوث الصداع برأ الله خمر الجنة منها وأثبت طيب النفوس وقوة الطبع وحصول الفرح. 9- ومن ذلك قوله تبارك اسمه: "لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ" وهو كلام يجمع جميع ما يأكله الناس مما تنبته الأرض. 10- ومن ذلك قوله عز وعلا: "وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ " وهو كلام يتضمن جميع ما يجب على الرجال من حسن معاشرة النساء وصيانتهن وإزاحة عللهن وبلوغ كل مبلغ فيما يؤدي إلى مصالحهن ومناجحهن وجميع ما يجب على النساء من طاعة الأزواج وحسن مشاركتهم وطلب مرضاتهم وحفظ غيبتهم وصيانتهم عن خيانتهم 11- ومن ذلك قوله تبارك وتعالى: "وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ" ويحكي عن أزدشير الملك ما ترجمه بعض البلغاء فقال: القتل أنفى للقتل: ففي كلام الله تعالى كل ما في كلام أزدشير الملك وفيه زيادة معان حسنه فمنها إبانة العدل بذكر القصاص والإفصاح عن الغرض المطلوب فيه من الحياة والحث بالرغبة والرهبة على تنفيذ حكم الله تعالى به والجمع بين ذكر القصاص والحياة والبعد عن التكرير الذي يشق على النفس فإن قوله القتل أنفى للقتل تكرير. غيره أبلغ منه. 12- ومن ذلك قوله عز ذكره في إخوة يوسف: "فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا" وهذه صفة اعتزالهم لجميع الناس وتقليبهم الآراء ظهراً لبطن وأخذهم في تزوير ما يلقون به أباهم عند عودهم إليه وما يوردون عليه من ذكر الحادث فتضمنت تلك الكلمات القصيرة معاني القصة الطويلة. 13-ومن ذلك قوله جلت عظمته: " وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ" فلو أراد أحد الأعيان الإعلام في البلاغة أن يعبر عنه لم يستطع أن يأتي بهذه الألفاظ مؤدية عن المعنى الذي يتضمنها حتى يبس مجموعها ويصل مقطوعها ويظهر مستوردها فيقول إن كان بينكم وبين قوم هدنة وعهد فخفت منهم خيانة أو نقضاً فاعلمهم أنك نقضت ما شرطت لهم وآذنهم بالحرب لتكون أنت وهم في العلم بالنقض على سواء. الإعجاز والإيجاز للثعالبي |
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|