الموضوع: مفاتح الفرج
عرض مشاركة واحدة
قديم 01-03-2012, 02:17 PM   #1


الصورة الرمزية سعودي ودقولي التحية
سعودي ودقولي التحية غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1636
 تاريخ التسجيل :  Oct 2011
 أخر زيارة : 09-16-2012 (03:25 PM)
 المشاركات : 12,032 [ + ]
 التقييم :  125
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي مفاتح الفرج




بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن الإنسان لا يخلو في هذه الحياة من المتاعب والأحزان وتقلُّب الأطوار وتعاقب الأدوار فكما


طَلَبُ الْمَغْفِــرَة


نرى في الطبيعة اختلاف الليل والنهار وتعاقب الفصول خلال العام من ربيع وصيف وخريف وشتاء كذلك نرى النفوس يتعاقب عليها القبض والبسط والعسر واليسر فيتقلَّب المرء بين السرور والأحزان وقد يدور عليها الخير والشر والبأساء والنعماء فيظهر عليه الابتهاج أو الاكتئاب فالسرور والحزن يظهران على وجه الإنسان ليعبرا عما في نفسه من جلال أو جمال وقبض أو بسط وأسباب القبض كثيرة منها : كثرة الحجب المتراكمة على النفس لذنب وقع وهذا يزول بالتوبة والاستغفار وقد يكون القبض بسبب أمل ضاع أوأمنيَّة لم يستطع المرء تحقيقها وعلاج ذلك بالتسليم لأمر الله والرضا عما قضاه وتفويض الأمر كله لله وربما يكون سبب القبض ظلمٌ وقع على المرء نفسه أو ماله أوأهله وعلاجه بالصبر وسعة الصدر وصدق الالتجاء إلى حضرة الله وتفويضه سبحانه في ردِّ الظلم ودفع المكروه وهناك قبضٌ لا يعرف له سبب وهذا يزول بالكفِّ عن الأقوال والأفعال مع ملازمة الصمت والسكون انتظاراً لفرج الله فإن بعد القبض بسطا وإنَّ مع العسر يسرا .
ومع العسر إن تدبرت يسرٌ \ ومع الرضا كلُ شئٍ يهـون
فنهاية الشدة هي بداية الفرج وربما أفادك ليل القبض ما لم تستنفذه في إشراق نهار البسط فقد ينكشف ليل القبض بظهور نجم يهديك أو قمر يضئ لك الطريق أو شمس تبصر بها سبيل الخلاص .
اشــتدِّي أزمـة تنفرجي \ قد أذن ليــلك بالبلج
وظــــــلام الليل له سرج \ حتى يغشاه أبو السرج
وسحــاب الخير له مطر \ فإذا جـــاء الأبان تجى
وأما أسباب البسط فكثيرة جداً منها التوفيق في طاعة الله أو زيادة من الدنيا أو إقبال الناس عليك أو إطراؤهم لك ومدحهم إياك وهذا كله يقتضي منك أن تشكر الله على نعمه وتوفيقه وألا يؤدي إقبال الدنيا عليك إلى الغرور والبطر والتعالي والزهو ولا يغرُّك ثناء الناس ومدحهم لك بالصلاح وأنت خالٍ منه أو يفتنك ذكرهم لك بما لا تستحق أو يخدعك حسن ظنِّهم بك عن يقينك بما في نفسك واحذر أن يظهر الله للناس ذرَّة مما بطن فيك من العيوب فيمقتك أقرب الناس إليك ولا تصغ إلى من يمدحونك من المنافقين لحاجة في نفوسهم فإذا قضيت حاجاتهم انتهى مديحهم لك وإذا لم تقض سخروا منك واغتابوك فقابل المدح كمادح نفسه وذمُّ الرجل نفسه هو مدح لها وهناك بسطٌ بسبب الإشراقات القلبية والمكاشفات الروحانية والمؤانسات القدسية فعلى من يختصُّه الله به أن يسير فيه في حدود الأدب مع الله فقد قال أحد العارفين { فتح لي باب البسط فانبسطتُ فحُجِبْتُ}والله يقول{وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ}وربما يتبادر إلى الذهن سؤال وهو لماذا يبتلى الله أحبابه فقد ابتلى آدم بإبليس وإبراهيم بالنمروذ وموسى بفرعون ونبينا محمد بأبي جهل وقد قال {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِّنَ الْمُجْرِمِينَ}والسرُّ في ذلك أن البلاء يخلِّص القلب كليَّة لله لأن المرء عند الشدائد والأزمات يتوجه بالكليَّة إلى الله تعالى مستغفراً ومتضرعاً بالدعاء ليمنحه الرضا بقضائه ويلهمه الشكر على نعمائه ومن هنا نرى أن الله تعالى يبتلي بعض أوليائه في بدايتهم ثم يكون النصر لهم في نهايتهم ليرفع الابتلاء أقدارهم ويكمل بالنعماء أنوارهم فالإنسان لا يتطهَّر إلا بتقلبه بين الخير والشر والعسر واليسر وانظر معي إلى سليمان الذي أعطى فشكر وإلى أيوب الذي ابتلى فصبر وإلى يوسف الذي قدر فغفر فإن الله إذا أحب عبداً ابتلاه فإذا صبر قربه واجتباه وإذا رضى اصطفاه وأعطاه فوق ما يتمناه هذا إلى أن البلاء يحقِّق العبد بأوصاف العبودية من الذل والإنكسار والشعور بالحاجة والاضطرار وهذا ما يؤهله للقرب من حضرة العزيز الغفار ، وهذا ما يوضحه أحد الصالحين عند توضيحه لقول الله تبارك اسمه وتعالى.شأنه {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ } وقوله النبى (أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وتمامه (.. فَأَكْثِرُوا الدُّعَاء) ، رواه مسلم وأحمد وسنن أبي داوود .
حيث يقول{{ فإنَّ في هذه الآية والحديث تصريحاً بعدم تحيُّز الحق تبارك وتعالى في جهة دون أخرى أي فكما تطلبونه في العلوِّ ، فاطلبوه كذلك في السفل وخالفوا وهمكم وإنما جعل الشارع(صلى الله عليه وسلم) حال العبد في السجود أقرب من ربه دون القيام مثلا لأن من خصائص الحضرة أن لا يدخلها أحد إلا بوصف الذل والانكسار فإذا عفَّر العبد محاسنه في التراب كان أقرب في مشهده من ربه من حالة القيام فالقرب والبعد راجع إلى شهود العبد ربه لا إلى الحق تبارك وتعالى في نفسه فإن أقربيته واحدة ، قال تبارك وتعالى في حق المحتضر{وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لَّا تُبْصِرُونَ } و {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ }[ أي الإنسان ]( مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ } انتهى.
فالدعاء نور الروح وهداها وإشراق النفس وسناها وهو علاج القلق الذي ينتاب الإنسان في أوقات الأزمات ودواء الاضطراب والقنوط وهو الإكسير الذي يتجرَّعه المؤمن فيزول اضطرابه ويسكن قلقه وتنزل السكينة والطمأنينة على قلبه ويفرح فيه بلطف ربه هذا إلى جانب أنه يُزيل ما ران على القلب ويذيب الغشاوات التي تعلو صفحة الفؤاد ويجتث من الوجدان شرايين الغلظة والجفوة والقسوة ففيه طهارة القلوب وتزكية النفوس وتثقيف العقول وتيسير الأرزاق والشفاء من كل داء ودوام المسرات والسلامة من العاهات وهو سلاح المؤمن الذي ينفع مما نزل ومما لم ينزل فكن على يقين من أن إجابة الدعاء معلقة بمشيئة الله تعالى والحق يقول{فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاء}وقد ورد أن البلاء ينزل فيتلقاه الدعاء فيعتلجان حتى يغلب الدعاء البلاء وقد صدق رسول الله حيث يقول ( لاَ يَرُدُّ الْقَضَاءَ إِلاَّ الدُّعَاءُ، وَلاَ يَزِيدُ فِي الْعُمُرِ إِلاَّ الْبِرُّ )عن سلمان رضيَ اللَّهُ عنهُ ، جامع الأحاديث والمراسيل ومشكاة المصابيح والفتح الكبير
وقد وضح هذه الحقيقة الإمام الغزالي رضي الله عنه حيث يقول{ فإن قلت فما فائدة الدُّعاء والقضاء لا مردَّ له ؟ قلت : إن من القضاء ردَّ البلاء بالدُّعاء والدُّعاء سببٌ لردِّ البلاء واستجلاب الرحمة كما أن الترس سبب لردِّ الســـهم فيتدافعان كذلك الدعاء والبلاء يتعالجان }فإذا ابتليت بمحنة يا أخي المؤمن فقل(ذلك تقدير العزيز العليم)وإذا رأيت بليَّـة فقــل ( سنَّة الله في خلقه ) وإذا نزل بك مكروه ( فاذكر أن الله ابتلى بالمكاره الأنبياء والمرسلين والأولياء والصالحين)فمن كانت له فطنة وبصيرة علم أن أيام الابتلاء قصيرة وقد جمعنا في هذا الموضوع دعوات مستجابات واستغاثات مجربات وصلوات فاتحات وأحزاب كاشفات للهموم والكروب والملمات وهي من كتاب الله تعالى ومن أقواله رسوله الكريم ومن هدي السلف الصالح فاجعلها سميرك ورفيقك وستجدها الصديق الذي يرضيـك دائماً وتستريح إليه كلما نزل بك همٌّ أو غمٌّ وعند المتاعب والأزمات فقد جربناها فوجدناها سريعة الإجابة في تفريج الكروب وقضاء الحاجات بإذن الله تعالى وإياك والقلق والاضطراب والاستسلام للنحيب والبكاء واليأس من تحقيق الرجاء وكن كالشجرة العظيمة العالية لا تؤثر فيها الرياح العاتية فإذا صادفتك مشكلة فافحص أوجه حلِّها حتى لا تقع في مثلها وخذ في الأسباب وانتظر الفرج ولا تفقد الأمل ولا تضيِّع وقتك في القلق والاضطراب وفي لعن الحياة ودع التدبير لمدبِّر الأكوان مع الأخذ في الأسباب واعلم أن الله وحده يصرِّف الأمور ويفرِّج الكروب فاعرض مشاكلك كلها عليه وإن لم يكن ما تريد فليكن منك الرضا بما يريد والله غالبٌ على أمره فقد أوحى الله إلى شعيب عليه السلام : يا شُعيب هبْ لِي مِنْ وَقْتِكَ الْخُضُوعَ وَمِنْ قَلْبِكَ الْخُشُوعَ وَمِنْ عَيْنَيْكَ الدُّمُوعَ ثُمَّ ادْعُنِي، فَإِنِّي قَرِيبٌ.فاتَّجه يا أخي إلى الله وعوِّد لسانك مناجــاة الله وتوقع الخير دائمـــــاً من الله وكرِّر دائــــــماً قول الحق سبحانه {سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً } أسأل الله أن ينفع بهذه الأدعية والاستغاثات كل من قرأهــا أو دعا بهــا أو أوصــلها لمن يحتاجهـــا أو دلَّ عليها الطـــالب لها

فَضَيلَةُ الْدُّعَاء
رغَّب الله عباده في والدعاء فقال{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ}فأطمع المطيع والعاصي والداني والقاصي في الإنبساط إلى حضرة جلاله برفع الحاجات والأماني بقوله{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ }وقوله تعالى فى{ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ }وفي الحقيقة ليس بعد تلاوة كتاب الله عبادة تُؤَدَّى باللسان أفضل من ذكر الله تعالى ورفع الحاجات بالأدعية الخالصة إلى الله تعالى ولذلك روى أصحاب السنن والحاكم والترمذي عن النعمان بن البشير رضي الله عنه أن النبي قال(إِنَّ الدُّعَاءُ هُوَ العِبَادَةِ ، ثم قرأ{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ}وروى الترمذي والبيهقي عن أبي هريرة أن رسول الله قال(لَيْسَ شَئٌ أَكْرَمَ عَلَى اللهِ مِنِ الْدُّعَاءِ)وأيضا(مَنْ لَمْ يَسْألِ اللَّهَ يَغْضَبْ عَلَيهِ)و أيضا :
( مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَسْتَجِيبَ الله لَهُ عِنْدَ الشَّدَائِدِ والكُرَبِ ؛ فَلْيُكْثِرِ الْدُّعَاءِ فِي الْرَّخَاءِ)(الدُّعَاءُ سِـلاحُ المُؤْمِنِ وعِمَـادُ الدِّينِ ، وَنـُورُ السَّــماواتِ وأَلارْضِ )عن على رضى الله عنه ، رواه أبو يعلى في مجمع الزوائد .
وفى الحديث الآخر(إِنَّ الْعَبْدَ لا يُخْطِئِهُ مِنَ الْدُّعَاءِ إِحْدَى ثَلاثٍ : إِمَّا أَنْ تُعَجَّـــلَ لَهُ دَعْوَتُهُ ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَ لَهُ فِي الآخِرَةِ وَإِمَّا أَنْ يُدْفَعَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا )والبخاري في الأدب والحاكم عن أبي سعيد الخدرى والديلمي في الفردوس عن أنس .
(سَلُوا الله مِنْ فَضْلِهِ فَإِنَّ الله يُحِبُّ أَنْ يُسْأَلَ وَأَفْضَلُ العِبَادَةِ انْتِظَارُ الفَرَجِ)رواه الترمذي من حديث ابن مسعود .
(إِنَّ رَبَّكُمْ حَيِّ كَرِيمٌ، يَسْتَحِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَى الْسَّمَاءِ ؛ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرَا) رواه الترمذي عن سلمان رضي الله عنه ، والصفر الخالي الفارغ .
وفي الحديث القدسي (فى سنن الترمذى)عن أنس(قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلا أُبَالِي ، يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ ، وَلا أُبَالِي ، يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً) وعنه أيضا فى صحيح ابن حبان أنه قال(لا تَعْجِزُوا فِي الدُّعَاءِ فَإِنَّهُ لَنْ يَهْلِكَ مَعَ الدُّعَاءِ أَحَدٌ)(لاَ يَرُدُّ الْقَضَــاءَ إِلاَّ الدُّعَــاءُ وَلاَ يَزِيدُ فِي الْعُمُــرِ إِلاَّ الْبِـرُّ) جامع الأحاديث والمراسيل ومشكاة المصابيح والفتح الكبير عن سلمان رضي الله عنه .
وعن ابن عمر قال : قال رسول الله(مَنْ فُتِحَ لَهُ مِنْكُمْ بَابُ الدُّعَاءِ فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الرَّحْمَةِ، وَمَا سُئِلَ اللَّهُ شَيْئَاً أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يُسْأَلَ الْعَافِيَةَ، إِنَّ الدُّعَاءَ يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ وَمِمَّا لَمْ يَنْزِلْ فَعَلَيْكُمْ عِبَادَ اللَّهِ بِالدُّعَاءِ ، وفى رواية : فُتِحَتْ لَهُ أبْوَابُ الإِجَابَة وفي أخرى أَبْوَابُ الْجَنَّةِ) وفى الحديث الآخر(منْ نَزَلَتْ بِهِ فَـاقَةٌ فَأَنْزَلَهَا بِالنَّاسِ لَمْ تُسَدّْ فَاقَتُهُ، وَمَنْ نَزَلَتْ بِهِ فَاقَةٌ فَأَنْزَلَهَا بِاللَّهِ، فَيُوشِكُ اللَّهُ لَهُ بِرِزْقٍ عَاجِلٍ أَوْ آجِلٍ) عن ابنِ مسعُودٍ جامع الأحاديث والمراسيل ومسند أبى يعلى.
وأيضــا قال عليه أفضل الصلاة والسلام(مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلا قَطِيعَةُ رَحِمٍ، إِلا أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلاثٍ: إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الآخِرَةِ ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا ، قَالُوا : إِذًا نُكْثِرُ ، قَالَ : اللَّهُ أَكْثَرُ)عن عبادة بن الصامت ورواه أحمد فى مسنده عن أبى سعيد الخدري
وعن عَائِشَةَ فى مسند الشهاب ومجمع الزوائد قالت(قَالَ النَّبِيُّ : لاَ يُغْنِي حَـذَرٌ مِنْ قَـدَرٍ وَالدُّعَاءُ يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ وَمِمَّا لَمْ يَنْزِلْ وَإِنَّ الْدُّعَاءَ لَيَلْقى الْبَلاَءَ فَيَعْتَلِجَانِ إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ)وفى الحديث الآخر (دَاوُوا مَرْضَاكُمْ بالصَّدَقَةِ وحَصِّنُوا أَمْوَالَكُمْ بالزكاةِ ، وأَعِــدُّوا للبــلاءِ الدُّعَــاءَ).وعن ابن مسعود فى سنن البيهقي الكبرى
وروى ابن عساكر عن كعب فى جامع الأحاديث والمراسيل(قالَ النَّبِيُّ :أَوْحَى اللَّهُ تَعَالى إِلى دَاوُدَ : مَا مِنْ عَبْــدٍ يَعْتَصِمُ بي دُونَ خَلْقِي أَعْرِفُ ذلِكَ مِنْ نِيَّتِهِ فَتَكِيدُهُ السَّموَّاتُ بِمَنْ فِيهَا إِلاَّ جَعَلْتُ لَهُ مِنْ بَيْنِ ذلِكَ مَخْرَجَاً وَمَا مِنْ عَبْــدٍ يَعْتَصِمُ بِمَخْلُوقٍ دُونِي ، أَعْرِفُ ذلِكَ مِنْ نِيَّتِهِ ؛ إِلاَّ قَطَعْتُ أَسْـبَابَ السَّمَاءِ بَيْنَ يَدَيْهِ ، وَأَرْسَخْتُ الْهَوِيَّ مِنْ تَحْتِ قَدَمَيْهِ وَمَا مِنْ عَبْــدٍ يُطِيعُنِي إِلاَّ وَأَنَا مُعْطِـيهِ قَبْلَ أَنْ يَسْـأَلَنِي ، وَمُسْـتَجِيبٌ لَهُ قَبْلَ أَنْ يَدْعُـوَنِي ، وَغَـافِرٌ لَهُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَغْفِرَنِي)وعن حُذَيْفَةَ (لَيَـأَتِيَنَّ عَلى النَّـاسِ زَمَـانٌ لاَ يَنْجُـوَ فِيـهِ إِلاَّ مَنْ دَعَـا بِدُعَــاءٍ كَدُعَـاءِ الْغَرَقِ )
وعن عائشة فى مسند الشهاب والدرر المنتثرة ، قالت : قال رسول الله : إِنَّ الله يُحِبُّ المُلِحِّينَ فِي الدُّعَاءِ)
وعن أنس رضي الله عنه فيما رواه الطبرانى قال : قال النبى(افْعَلُوا الخَيْرَ دَهْرَكُمْ وتَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ رَحْمَةِ الله فِانَّ لله نَفَحَاتٍ مِنْ رَحْمَتِهِ يُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وسَلُوا الله أَنْ يَسْتُرَ عَوْرَاتِكُمْ ، وأَنْ يُؤَمِّنَ رَوْعَاتِكُمْ )

كما روى الحاكم فى المستدرك ، عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما ، عن النبيّ أنه قال(يَدْعُو الله بِالْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقيامَةِ حتّى يُوقِفَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَيَقولُ : عَبْدي إِنّي أَمَرْتُكَ أَنْ تَدْعوني وَوَعَدْتُكَ أَنْ أَسْتَجيبَ لَكَ ، فَهَلْ كُنْتَ تَدْعُوني ، فَيقولُ: نَعَمْ يا رَبّ ، فَيَقُولُ : أَما إِنَّكَ لَمْ تَدْعُني بِدَعْوَةٍ إلا اسْتُجِيبَ لَكَ ، فَهَلْ لَيْسَ دَعَوْتَني يَوْمَ كَذا وَكَذا لِغَمٍّ نَزَلَ بِكَ أَنْ أُفَرِّجَ عَنْكَ ؛ فَفَرَّجْتُ عَنْكَ ، فَيَقولُ : نَعَـمْ يا ربّ ، فَيقولُ : فَإِنّي عَجَّلْتُها لَكَ في الدُّنْيا وَدَعَوْتَني يَوْمَ كَذا وَكَذا لِغَمٍّ نَزَلَ بِكَ أَنْ أُفَرِّجَ عَنْكَ ؛ فَلَمْ تَرَ فَرَجاً ، قالَ : نَعَمْ يا ربّ ، فَيقولُ: إِنّي ادَّخَرْتُ لَكَ بِها في الْجَنَّةِ كَذا وَكَذا، قال رسول الله : فَلا يَدَعُ الله دَعْوَةً دَعَا بِهَا عَبْدُهُ الْمُؤْمِنُ إِلا بَيَّـنَ لَهُ ؛ إِمَّا أَنْ يَكونَ عَجَّلَ لَهُ في الدّنْيا ، وَإِمَّا أَنْ يَكونَ ادَّخَرَ لَهُ في الآخِرَةِ.، قَال : فَيَقُول الْمُؤْمِنُ فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ : يَا ليْتَهُ لَمْ يَكُنْ عُجِّــلَ لَهُ شَيْءٌ فِي الْدُّنْيَــا مِنْ دُعَـائِهِ
آدَابُ الْدُّعَاء

وهي التي بالوقوف عليها والعمل بها يُرزق العبد الإجابة من الله وقد أشار إلى بعضها إبراهيم بن أدهم حين سأله رجلٌ قائلاً يا إبراهيم قال الله{ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} فمــا بالنا ندعو فلا يستجاب لنا فقال إبراهيم من أجل خمسة أشياء :
1- عرفتم الله فلم تؤدُّوا حقه .
2- وقرأتم القرآن فلم تعملوا به .
3- وقلتم : نحبُّ الرسول ، وتركتم سنَّته .
4- وقلتم : نلعن إبليس ، وأطعتموه .
5- والخامسة : تركتم عيوبكم ، وأخذتم في عيوب الناس .
ونجمل هذه الآداب باختصار شديد فيما يلي :
تجنُّب الحرام في المأكل والمشرب والملبس والكسب لقوله عليه أفضل الصلاة و أتُّم السلام( يدعو الرجل )يَـمُدُّ يَدَيْهِ إلـى السماءِ يا ربِّ يا ربِّ ، ومَطْعَمُهُ حَرَامٌ ، ومَشْرَبُهُ حَرَامٌ ، ومَلْبَسُهُ حَرَامٌ ، وقَدْ غُذِّيَ بالـحَرَامِ ، فأَنَّى يُسْتَـجَابُ لَهُ) سنن البيهقي الكبرى عن أبى هريرة ، ورواه مسلـم
الإخلاص لله تعالى وتقديم عمل صالح ويذكره عند الشدَّة كما فعل أصحاب الغار الثلاثة الذين ذكرهم النبي ولقوله تعالى{إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}التنظُّف والتطهُّر والوضوء واستقبال القبلة وتقديم صلاة الحاجة إن أمكن ويستحسن الجثو على الركب عند الدعاء والثناء على الله تعالى أولاً وآخراً والصلاة على النبي كذلك وبسط اليدين ورفعهما بحذاء المنكبين وعدم رفع البصر إلي السماء وأن يسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العليا وأن يتجنَّب السجع وتكلُّفه وأن لا يتكلَّف التغنِّي بالأنغام وخفض الصوت والتأدُّب والخشوع والتمسكن مع الخضوع والإقرار بالذنب أن يتخيَّر الجوامع من الدُّعــاء وخاصة الأدعيــة الصحيحة الواردة عن النبي أن يبدأ بالدُّعاء لنفسه وأن يدعو لوالديه وإخوانه المؤمنين وأن لا يخصَّ نفسه بالدعاء إن كان إماماً وأن يسأل بعزم ويدعو برغبة ويكرر الدُّعاء ويلحَّ فيه وأن لا يدعو بإثم ولا قطيعة رحم وأن لا يدعو بأمر قد فُرِغَ منه وأن لا يعتدي في الدعاء بمستحيل أو ما في معناه وأن لا يتحجَّر وأن يسأل حاجته كلها وأن لا يستبطئ الإجابة أو يقول دعوت فلم يستجب لي وأن يمسح وجهه بيديه بعد فراغه وأن يؤمِّن الداعي والمستمع
أوْقَاتُ الإِجَـابَة
وقد حصر الأئمة الكرام الأوقات التي يتأكد فيها إجابـة الدعاء على ما ورد في الأحاديث الصحيحة فيما يلي :
ليلة القدر ويوم عرفة وليلة الجمعة ويومها ونصف الليل الثاني وثلثى الليل الأول والآخر وجوف الليل ووقت السحر وساعة الجمعة وهي في أصح الأقوال ما بين أن يجلس الإمام في الخطبة إلي أن تقضى الصلاة وشهر رمضان وخاصة عند الإفطار لقول النبى(الصَّائِمُ لاَ تُرَدُّ دَعْوَتُهُ)عن أبي هريرة رواه ابن ماجه فى سننه ، ومسند الشهاب .
وكذلك بيَّنت الأحاديث الشريفة الأحوال التي يُرْجَى فيها إجابة الدَّعاء وهي : عند النداء بالصلاة ، وبين الآذان والإقامة ، وعند إقامة الصلاة ، وعند الحيعلتين (أى حىَّ على الصلاة و حىَّ على الفلاح اللتان بالآذان ) لمن نزل به كرب أو شدَّة ، وعند التحام الصف في سبيل الله ، ودبر الصلوات المكتوبات ، وفي السجود ، وعقيب تلاوة القرآن ولا سيما الختم لما رواه الإمام السيوطي في جامعه الكبي ( أن العبد إذا ختم القرآن صلَّى عليه عند ختمه ستون ألف مَلَك )وفي رواية الأذكار للنووي( أمَّن على دعائه أربعة آلاف ملك ) وعند صياح الدِّيكة وعند اجتماع المسلمين وفي مجالس الذكر وعند قول الإمام{وَلاَ الضَّالِّينَ } وعند تغميض الْمَيِّت وعند نزول الغيث وعند رؤية الكعبة وهذا للعبد الذي لا يستطيع جمع قلبه على الدوام مع الله أما العبد الذي رزقه الله الإخلاص ووفقه لتصفية القلب وتنقيته من الأغيار فأصبح همه مجموعاً على مولاه فهذا عبد يستجيب الله له في أي وقت يدعو ومن ذلك ما روى عن الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه أنه قال{ ما احتجت إلى شئ إلا قلت : يا رب عبدك يحتاج إلى كذا فما استتم هذا الكلام إلا وهذا الشئ بجواري }
أمَاكِنُ الإِسْتِجَابَة
وهي المواضع الشريفة وقد جمع الإمام الحسن البصري أماكن الإجابة في مكة المكرمة فقال :
{{ إن الدعاء هناك مستجاب في خمسة عشر موضعاً : في الطواف ، والملتزم ، وتحت الميزاب ، وفي البيت ، وعند زمزم ، وعلى الصفا والمروة ، وفي السعي ، وخلف المقام ، وفي عرفات ، وفي المزدلفة ، وفي منى ، وعند الجمرات الثلاث }} ويضاف إلى ذلك :
الروضة الشريفة وعند النبي وقد قال الإمام الجزري{ وإن لم يجب الدعاء عند النبي ففي أي موضع} لما ورد في رواية الإسراء والمعراج المذكورة في الصحيحين عن أنس أن سيدنا جبريل قال له(انْزِلْ فَصَلِّ فَفَعَلْتُ فَقَالَ : أَتَدْرِي أَيْنَ صَلَّيْتَ ؟ صَلَّيْتُ بِطَيْبَةَ وَإلَيْهَا الْمُهَاجَرُ ، ثُمَّ قَالَ : انْزِلْ فَصَلِّ ، فَصَلَّيْتُ ، فَقَالَ : أَتَدْرِي أَيْنَ صَلَّيْتَ ؟ صَلَّيْتَ بِطُورِ سَيْنَاءَ حَيْثُ كَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، ثُمَّ قَالَ : انْزِلْ فَصَلِّ ، فَنَزَلْتُ فَصَلَّيْتُ ، فَقَالَ : أَتَدْرِي أَيْنَ صَلَّيْتَ؟ صَلَّيْتَ بِبَـيْتِ لَحْمٍ حَيْثُ وُلِدَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ ) والصلاة هنا هي الدعاء ،ومما يزيدنا يقيناً في هذا الأمر ما حكاه الله عن عبده ونبيه زكريا حيث يقول (كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَـذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ{37} هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء{38} فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحِينَ{39}



أَهْلُ الإِطْلاقِ وَأَهْلُ الْتَّـقْييد

يصنِّف العارفون حال أهل الإيمان عند الدعاء إلى فريقين :
فريق ينشط للعبادة عند المقتضيات من مكان أو زمان فتراه يشهد في مكان خاص مشهداً يشوِّقه إلى الدعاء والابتهال والتقرب بنوافل البِّر( كالكعبة والمسجد النبوي الشريف وبيت المقدس) ويشهد في مكان آخر مشهداً ينسيه التقرَّب ويسلِّيه عن التودد وذلك مثل الأسواق ومجالس اللهو ومجامع الغفلة ويكون ذلك التقيد بالأزمنة أيضاً فترى النشاط والهمة يقويان على عمل البر والقربات في شهر رمضان والليالي المرجوِّ فيها الخير فإذا انصرفت تلك الأوقات وانقضت تلك اللحظات فترت الهمَّة وكلَّت تلك العزيمة وذلك لأن العمل مقيد بدائرة الفكر وهو مقهور بحيطته التي تحيط بها من زمان ومكان أما الفريق الثانى فهم أهل الإطلاق أوأهل المشاهدات الذين ترقُّوا عن التكلِّف والاستحضار فإنهم وقعت بهم عين اليقين بكمال التسليم على نور الحق المجلوِّ في الخلق وسرِّ القيومية التي قامت بها العوالم فوقع بهم العلم على حقيقة الأسماء فاطمأنت بها القلوب فتمكنت الخشية من أفئدتهم والخوف من قلوبهم فهم مع الله لا يغيب عنهم في كل زمان وفي كل مكان لا يخصصون مكاناً بعمل دون مكان ولا زماناً بعمل دون زمان إلا ما خصصه به ربهم وأوجبه فيه خالقهم ولذلك ترى عزائمهم في جدٍّ وهَّمتهم في نشاط لأن الأمكنة والأزمنة غير مقصودة لهم ولا معظَّمة في قلوبهم وإنما المقصود ربُّهم والمعظَّم أمره وحكمه فإذا خرجوا من الزمان المخصوص بحكم ما والمكان المخصوص بأمر ما كانوا مع الله بلا كون لأنه كان ولا كون وهؤلاء هم أهل الميراث المحمَّدي الذين لا تحجبهم الآيات ولا تبعدهم الكائنات فنَّزهوا ربَّهم سبحانه وتعالى عن أن يعظِّموا غيره أو ينشطوا له في وقت دون وقت أو مكان دون مكان إلا بما أمر وحكم فلا يكون التعظِّيم للمكان إنما يكون للحاكم الآمر سبحانه وتعالى وإن كان الواجب على أهل هذا المقام أن يسيروا مع أهل مقام التقييد بما يناسبهم تنشيطاً لهم وإعلاءاً لعزائمهم حتى لا يفوتهم الفضل في كل زمان ومكان فربَّ نشاط بمكان خاص أيقظ القلب فقرب وربَّ ذكر مع سهو عن المذكور ونسيان لمكانته اشتدَّ فأنسى الذاكر عن شئون نفسه وقذف به إلى مرابض أنسه وإنما المذموم غفلة القلب واللسان واحتجاب الجسد والجنان .
مُسْتَجَابُو الْدُّعَاء
وأما الذين تتحقق الإجابة من الله لهم فهم : المضطر والمظلوم وإن كان فاجراً أو كافراً والوالدان لأبنائهم والإمام العادل والرجل الصالح والولد البار بوالديه والمسافر والصائم حتى يفطر والمسلم لأخيه بظهر الغيب ما لم يدعُ بإثم أو قطيعة رحم أو يقول دعوت فلم يستجب لي قَالَ النَّبِيُّ(إِنَّ لِلَّهِ عُتَقَاءَ فِي كُل يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مِنَ النَّارِ وَإِنَّ لِكُل مُسْلِمٍ فِي كُل يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ دَعْوَةً مُسْتَجَابَةً)عن أَبي هُريرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.جامع الأحاديث والمراسيل .
وقال(أَرْبَعُ دَعَواتٍ لاَ تُرَدُّ دَعْوَةُ الْحَاج حَتَّى يَرْجِعَ وَدَعْوَةَ الْغَازِي حَتَّى يَصْدُر َوَدَعْوَةُ الْمَرِيضِ حَتَّى يَبْرَأَ وَدَعْوَةُ الأَخِ لأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْب ِ، وَأَسْرَعُ هٰؤُلاَءِ الدَّعَوَاتِ إِجَابَةً ؛ دَعْوَةُ الأَخِ لأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ)عن ابن عبَّاسٍ رضيَ اللَّهُ عنهُمَا- جامع الأحاديث والمراسيل .



بَاعِثُ الإِجَـابَة

إن الأصل الأول في إجابة الدعاء هو التزام الداعي بالأدب الباطن الواجب عليه ملاحظته مع الله ويكون ذلك بالتوبة وردِّ المظالم والإقبال على الله بكنه الهمَّة فقد روى الإمام الغزالي في الإحياء عن كعب الأحبار أنه قال :أصاب الناس قحط شديد على عهد موسى رسول الله عليه السلام فخرج موسى ببني إسرائيل يستسقى بهم فلم يُسْقَوْ حتى خرج ثلاث مرات ولم يُسْقَوْ فأوحى الله إلى موسى عليه السلام : أني لا أستجيب لك ولا لمن معك وفيكم نمَّام فقال موسى : يا ربِّ ومن هو حتى نخرجه من بيننا ؟ فأوحى الله إليه : يا موسى أنهاكم عن النميمة وأكون نمَّاماً فقال موسى لبني إسرائيل : توبوا إلى ربِّكم أجمعكم عن النميمة فتابوا فأرسل الله تعالى عليهم الغيث وقال سفيان الثوري : بلغني أن بني إسرائيل قحطوا سبع سنين حتى أكلوا الميتة مـن المزابل وأكلوا الأطفال وكانوا كذلك يخرجون إلى الجبال يبكون ويتضرعون فأوحى الله إلى أنبيائهم عليهم السلام : لو مشيتم إليّ بأقدامكم حتى تحفى ركبكـم وتبلغ أيديكـم عنان السماء وتكلَّ ألسنتكم عن الدعاء فأني لا أجيب لكم داعياً ولا أرحم لكم باكياً حتى تردوا المظالم إلى أهلها ففعلوا فمُطِرُوا من يومهم وقال مالك بن دينار :أصاب الناس في بني إسرائيل قحط فخرجوا مراراً فأوحى الله إلى نبيهم : أن أخبرهم أنكم تخرجون إليّ بأبدان نجسة وترفعون إليّ أكفَّـاً قد سفكتم بها الدماء وملأتم بطونكم من الحرام الآن قد اشتدَّ غضبي عليكم ولن تزدادوا مني إلا بُعْداً وقال أبو الصديق الناجي : خرج سليمان عليه السلام يستسقى فمرَّ بنملة ملقاة على ظهـرها رافعة قوائمها إلى السماء وهي تقول اللهم إنَّا خلق من خلقك ولا غنى بنا عن رزقك فلا تهلكنا بذنوب غيرنا فقال سليمان عليه السلام ارجعوا فقد سيقتم بدعوة غيركم وقال الأوزاعي : خرج الناس يستسقون فقام فيهم بلال بن سعد فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : يا معشر من حضر ألستم مقرين بالإساءة ؟ فقالوا : اللهم نعم فقال : اللهم إنا قد سمعناك تقول{مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ} وقد أقررنا بالإساءة فهل تكون مغفرتك إلا لمثلنا اللهم فاغفر لنا وارحمنـا واسقنا فرفع يديه ورفعوا أيديهم فسقوا ... ورُوِىَ أن عيسى صلوات الله عليه وسلامه خرج يستسقي فلمَّا ضجروا قال لهم عيسى عليه السلام : من أصاب منكم ذنباً فليرجع فرجعوا كلهم ولم يبق معه في المفازة إلا واحد فقال له عيسى عليه السلام : أما لك من ذنب ؟ فقال : والله ما عملت من شئ غير أني كنت ذات يوم أصلِّي فمرَّت بي امرأة فنظرت إليها بعيني هذه فلمَّا جاوزتني أدخلت إصبعي في عيني فانتزعتها واتبعت المرأة بها فقال له عيسى عليه السلام : فادع الله حتى أؤمِّن على دعائك قال : فدعا فتجللت السماء سحابا ًثم صبَّت فسقوا وقال يحي الغسَّاني : أصاب الناس قحط على عهد داود عليه السلام فاختاروا ثلاثة من علمائهم فخرجوا حتى يستسقوا بهم فقال أحدهم : اللهمَّ إنك أنزلت في توراتك أن نعفو عمن ظلمنا اللهم إنا قد ظلمنا أنفسنا فاعف عنا وقال الثاني: اللهم إنك أنزلت في توراتك أن نعتق أرقاءنا اللهم إنا أرقاؤك فاعتقنا وقال الثالث : اللهم إنك أنزلت في توراتك أن لا نردَّ المساكين إذا وقفوا بأبوابنا اللهم إنا مساكينك وقفنا ببابك فلا تردَّ دعاءنا ؛ فسقوا وقال عطاء السلمي : منعنا الغيث فخرجنا نستسقى فإذا نحن بسعدون المجنون في المقابر فنظر إليّ فقال : يا عطاء أهذا يوم النشـور أو بعثـر ما في القبور؟ فقلت : لا ولكنا منعنا الغيث فخرجنا نستسقى فقال : يا عطاء بقلوب أرضية أم بقلوب سماوية فقلت: بل بقلوب سماوية فقال: هيهات يا عطاء قل للمتبهرجين لا تتبهرجوا فإن الناقد بصير ثم رمق السماء بطرفه وقال : إلهي وسيدي ومولاي لا تهلك بلادك بذنوب عبادك ولكن بالسرِّ المكنون من أسمائك وما وارت الحجب من آلائك إلا ما سقيتنا ماءاً غدقاً فراتا تحيي به العباد وتروي به البلاد يا من هو على كل شئ قدير قال عطاء : فما استتمَّ الكلام حتى أرعدت السماء وأبرقت وجاءت بمطر كأفواه القرب فولَّى يقول :
أفلح الزاهدونا و العابدونا \ إذ لـمولاهم أجاعوا البطونا
أسهروا الأعين العليلة حبَّا \ فانقضى ليلهم وهم ساهرونا
شغلتهم عبادة الله حتى \ حسب الناس أن فيهم جنونا
وقال ابن المبارك : قدمت المدينة في عام شديد القحط فخرج الناس يستسقون فخرجت معهم : إذ أقبل غلام أسود عليه قطعتا خيش قد ائتزر بإحداهما وألقى الأخرى على عاتقه فجلس إلى جنبي فسمعته يقول : إلهي أخْلَقَت الوجوهَ عندك كثرةُ الذنوب ومساوي الأعمال وقد حبست عنَّا غيث السماء لتؤدب عبادك بذلك فأسألك يا حليماً ذا أناة يا من لايعرف عباده منه إلا الجميل أن تسقيهم الساعة الساعة فلم يزل يقول الساعة الساعة حتى اكتست السماء بالغمام وأقبل المطر من كل جانب ويروى أن عمر بن الخطاب استسقى بالعباس فلما فرغ عمر من دعاءه قال العباس :اللهمَّ إنه لم ينزل بلاء من السماء إلا بذنب ولم يكشف إلا بتوبة وقد توجَّه بالقوم إليك لمكاني من نبيك وهذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا بالتوبة وأنت الراعي لا تهمل الضالة ولا تدع الكسير بدار مضيعة فقد ضرع الصغير ورقَّ الكبير وارتفعت الأصوات بالشكوى وأنت تعلم السر وأخفى اللهم فأغثهم بغياثك قبل أن يقنطوا فيهلكوا فأنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون فما تَّم كلامه حتى ارتفعت السماء مثل الجبال




طَلَبُ الْمَغْفِــرَة

ولهذا ينبغي للدَّاعي الطالب للإجابة أن يلازم بعد التوبة على الاستغفار بأنواعه ويواظب عليه لأن الاستكثار منه أناء الليل وأطراف النهار يصفِّي القلوب من الصدأ والأكدار ويخفِّف الظهور من ثقل الأوزار ويوصل الملازمين له والمواظبين عليه إلى منازل العارفين من الأخيار ويفضي بهم إلى حصول المطالب وقضاء الأوطار ولذلك روى مسلم في صحيحه عَنْ الأَغَرِّ الْمُزَنِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللّهَ قَال(إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَىٰ قَلْبِي وَإِنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللّهَ فِي الْيَوْم مِائَةَ مَرَّةٍ) وروى الترمذي مرفوعاً(مَنْ لَزِمَ الاسْتِغْفَارَ جَعَلَ الله لَهُ مِنْ كُلِّ هَمَ فَرَجاً ومِنْ كُلِّ ضِيْقٍ مَخْرَجاً ورَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ)وعن ابنِ عُمَرَ فى سنن أبى داوود قال(إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّ لِرَسُولِ الله في المَجْلِسِ الْوَاحِدِ مَائَةَ مَرَّة ٍ: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)وعن عائشة عن أبى الدرداء رواه صاحب الفتح الكبير(طُوبَى لِـمَنْ وَجَدَ فِـي صَحِيفَتِهِ اسْتِغْفَـاراً كَثِـيراً)والآثار في هذا الباب كثيرة جداً ونكتفي بهذا القدر خوفاً من الإطالة.
مَرَاتِبُ الإِسْتِغْفَار
اعلم أن الاستغفار على ثلاثة مراتب على قدر تفاوت الهمم والمطالب
فالمرتبة الأولى هي الاستغفار باللسان
وفيه منافع وفوائد وبركة، فمن بركته أنه يَحْصِلَ الاستغفار بالقلب ويرجى به حصول الاستجابة من الله الكريم الغفار ومن منافعه وفوائده أنه خير من السكوت وبه يتعوَّد قول الخير ويدوامه وبالمداومة عليه يتجه العبد إلى فعل الخير ويقلع عن الشر ودواعيه ويبغضه ويقليه وهكذا فالاستغفار باللسان حسن كله على أي حال كان.
والمرتبة الثانية : الاستغفار بالقلب ...
وهو قوي الأثر في تصفية القلوب من الأكدار وبه تنفرج الهموم والغموم وتزول الكروب كما أن به يتم حصول كل أمر مطلوب أو مرغوب بل إن به تنزل الرحمات والبركات وتفيض النفحات وتندفع الشرور والبليات
أما المرتبة الثالثة : وهي الاستغفار بالقلب واللسان...
فهي المرتبة الكاملة لأن بها تتجمَّع الفضائل للإنسان ويصلح الجسد والجنان وفي هذا ينال العبد أفضل المنافع ومجامع البركات حيث تنزل له المغفرة والرحمات وتضاعف له الحسنات وتكفَّر عنه السيئات وترفع له الدرجات وتزكو له الأعمال والطاعات بل قد تنصقل مرآة قلبه وتحصل له الطهارة الكاملة من العيوب والذنوب فيتوصل بذلك إلى كشف حجب الغيوب على أن هناك أمراً ننبَّه عليه : وهو أن حقيقة الاستغفار التام الموجب للمغفرة ما كان معه ندم بالقلب على الذنب ولم يكن معه إصرار فإن كان معه إصرار كان استغفاره بالقلب ناقصاً قليل الجدوى غير كامل ولكن لله ساعات لا يحجب فيها الدعاء وفي واسع القدرة أمور عظيمة وأسرار عجيبة ولذلك فلا ينبغي لعبد أن يترك الاستغفار وينهمك في غمرة الذنوب والأوزار ويقول أنَّي لي من الذنوب فِرار ؟ ولا ينفعني نطق اللسان بالاستغفار لأن من لا يقدر على ترك الشر كله فينبغي أن يتدرج بترك قليله فلعل ترك القليل منه يجرُّ إلى ترك الكثير وكذا إذا لم يقدر على عمل الطاعات وفعل الصالحات فلا ينبغي أن يكسل عن قليل الطاعة ويقول : أنىّ لي بنفيس تلك البضاعة بل يتدرج بفعل القليل منها فلعل فعل قليلها يجرُّ إلى فعل الكثير منها






 
 توقيع : سعودي ودقولي التحية





رد مع اقتباس