عرض مشاركة واحدة
قديم 05-03-2012, 02:44 PM   #1


الصورة الرمزية سمارة
سمارة غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1837
 تاريخ التسجيل :  Apr 2012
 أخر زيارة : 09-13-2012 (10:11 PM)
 المشاركات : 6,134 [ + ]
 التقييم :  106
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي بين دعاء المسألة ودعاء الثناء












بين دعاء المسألة ودعاء الثناء

محمد بن إبراهيم الحمد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية



الحمد الله ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين؛ وبعد:
فإن هناك نوعين من أنواع الدعاء هما؛ دعاء المسألة، ودعاء العبادة، ولعل السائل يريد بدعاء الثناء دعاء العبادة ؛ فكل دعاء ورد في الكتاب والسنة فإنه يتناول نوعين اثنين، ويندرج تحتهما، وهذان النوعان هما:
1-دعاء المسألة . 2-دعاء العبادة .
قال الشيخ عبدالرحمن بن سعدي –رحمه الله – في كتابه القواعد الحسان لتفسير القرآن (ص154-155):
(كل ما ورد في القرآن من الأمر بالدعاء ، والنهي عن دعاء غير الله، والثناء على الداعين – يتناول دعاء المسألة، ودعاء العبادة .
وهذه قاعدة نافعة؛ فإن أكثر الناس إنما يتبادر لهم من لفظ الدعاء والدعوة –دعاء المسألة فقط، ولايظنون دخول جميع العبادات في الدعاء .
تعريف دعاء المسألة: هو أن يطلب الداعي ما ينفعه ، وما يكشف ضره .
أو هو ما تضمن مسألة، أو طلباً، كأن يقول الداعي: أعطني، أكرمني، وهكذا ...
وهذا النوع على ثلاثة أضرب :
1-سؤال الله دعائه: كمن يقول: اللهم ارحمني واغفرلي ، فهذا من العبادة لله .
2- سؤال غير الله فيما لا يقدر عليه المسؤول : كأن يطلب من ميت أو غائب؛ أن يطعمه، أو ينصره، أو يغيثه، أو يشفي مرضه، فهذا شرك أكبر .
3- سؤال غير الله فيما يقدر عليه المسؤول : كأن يطلب من حي قادر حاضر أن يطعمه ، أو يعينه فهذا جائز .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله – (وقد مضت السنة أن الحي يطلب منه الدعاء كما يطلب منه سائر ما يقدر عليه . وأما المخلوق الغائب والميت فلا يطلب منه شيء) .

وقال ابن سعدي : (ومن هذا قوله سبحانه في قصة موسى عليه السلام :"فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه"

تعريف دعاء العبادة : أما دعاء العبادة فهو شامل لجميع القربات الظاهرة والباطنة ؛ لأن المتعبد لله طالب بلسان مقاله ولسان حاله ربَّه قبول تلك العبادة، والإثابة عليها؛ فهو العبادة بمعناها الشامل،ومن أعظم ما يدخل فيها ذكر الله، وحمده، والثناء عليه-عز وجل- بما هو أهله.
ولهذا (لو سألت أي عابد مؤمن : ما قَصدُك بصلاتك، وصيامك، وحجك، وأدائك لحقوق الله وحق الخلق ؟
-لكان قلب المؤمن ناطقاً قبل أن يجيبك لسانه : بأن قصدي من ذلك رضى ربي، ونيل ثوابه، والسلامة من عقابه؛ ولهذا كانت النية شرطاً لصحة الأعمال وقبولها وإثمارها الثمرة الطيبة في الدنيا والآخرة).
ولهذا فصرف دعاء العبادة لغير الله يعد شركاً أكبر؛ لأن من يدعو غير الله إنما يتقرب إليه حتى يجيب دعاءه، ويثيبه على فعله.
(وهكذا دعاء المسألة إلا فيما يوجه للمخلوق الحي، الحاضر، القادر؛ فليس من العبادة ؛ لقصة موسى المذكورة في سورة القصص، وهي قوله -سبحانه-:"فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه" [القصص:15].

تلازم نوعي الدعاء: من خلال ما مضى يتبين لنا أن نوعي الدعاء متلازمان؛ ذلك أن الله-عز وجل-يدعى لجلب النفع ودفع الضر دعاءَ المسألة، ويدعى خوفاً ورجاءً دعاءَ العبادة؛ فَعُلِم أن النوعين متلازمان؛ فكل دعاء عبادة مستلزم لدعاء المسألة، وكل دعاء مسألة متضمن لدعاء العبادة .
أمثلة لتلازمهما :
1-قال تعالى: "وقال ربكم أدعوني أستجب لكم". [غافر:60] أي أستجيب طلبكم، وأتقبل عملكم .
ولهذا قال تعالى: "إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين"[غافر:60].
فسمى الله ذلك عبادة؛ وذلك لأن الداعي دعاء المسألة يطلب سؤله بلسان المقال، والعابد يطلب من ربه القبول والثواب،ومغفرة الذنوب بلسان الحال.
2-قال تعالى :"وادعوه مخلصين له الدين ".[الأعراف:29]، فَوَضْعُ كلمة "الدِّين" موضع كلمة "العبادة"، -وهو كثير في القرآن- يدل على أن الدعاء هو لب الدين، وروح العبادة.
ومعنى الآية هنا:أخلصوا له إذا طلبتم حوائجكم، وأخلصوا له أعمال البر والطاعة .
3-قال تعالى: "وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعداً أو قائماً" الآية.[ يونس:12].
يدخل في قوله :"دعانا" دعاء المسألة؛ فإنه لا يزال مُلِحَّاً بلسانه، سائلاً دفع ضرورته .
ويدخل فيه دعاء العبادة؛ فإن قلبه في هذه الحال يكون راجياً طامعاً منقطعاً عن غير الله، عالماً أنه لا يكشف ما به من السوء إلا الله، وهذا دعاء عبادة.
4-قال تعالى :"ادعوا ربكم تضرعاً وخفية"[الأعراف: 55].
فقوله تعالى "ادعو" يدخل فيه الأمران؛ فكما أن من كمال دعاء الطلب كثرة التضرع، والإلحاح، وإظهار الفقر والمسكنة، وإخفاء ذلك، وإخلاصه فكذلك دعاء العبادة؛ فإن العبادة لا تتم، ولا تكمل إلا بالمداومة عليها، ومقارنة الخشوع، والخضوع، وإخفائها، وإخلاصها لله تعالى .
5-قال تعالى: "فلا تدعو مع الله إلهاً آخر" [الشعراء: 213].
فقوله: "ومن يدعو مع الله إلهاً آخر لا برهان له به" [المؤمنون:117]. وقوله :"فلا تدعو مع الله أحداً ".[الجن: 18].
يشمل دعاء المسألة ودعاء العبادة؛ فكما أ ن من طلب غير الله حاجة لا يقدر عليها إلا الله فهو مشرك كافر، فكذلك من عبد مع الله غيره فهو مشرك كافر.
6-قال تعالى:"ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها" [الأعراف:180]. يشمل دعاء المسألة، ودعاء العبادة ؛أما دعاء المسألة فإنه يسأل الله- تعالى- في كل مطلوب باسم يناسب ذلك المطلوب ويقتضيه، فمن سأل رحمة الله ومغفرته دعاه باسم الغفور الرحيم، ومن سأل الرزق سأله باسم الرزاق،وهكذا....
أما دعاء العبادة فهو التعبد لله تعالى بأسمائه الحسنى، فيفهم أولاً معنى الاسم الكريم، ثم يديم استحضاره بقلبه حتى يمتلىء قلبه منه؛ فالأسماء الدالة على العظمة والكبرياء تملأ القلب تعظيماً وإجلالاً لله تعالى .
والأسماء الدالة على الرحمة، والفضل والإحسان تملأ القلب طمعاً في فضل الله ورجاء رَوْحِه ورحمته.
والأسماء الدالة على الود، والحب،والكمال تملأ القلب محبة،ووداً وتألهاً،وإنابة إلى الله -تعالى- .
والأسماء الدالة على سعة علمه،ولطيف خُبره توجب مراقبة الله،والحياء منه ،وهكذا....
وهذه الأحوال التي تتصف بها القلوب هي أكمل الأحوال، وأجل الأوصاف، ولا يزال العبد يجاهد نفسه عليها حتى تنجذب نفسه وروحه بدواعيه منقادة راغبة، وبهذه الأعمال القلبية تكمل الأعمال البدنية .
وإذا ذكر الله -عز وجل- وأثني عليه بما هو أهله،فإن ذلك يتضمن إظهار الذل، والمحبة، والسؤال بلسان الحال؛فكأنه يقول:يا رب اذكرك إجلالاً لك، ومحبة،ورجاءً.
وهكذا يتبين معنى دعاء المسألة،ودعاء العبادة، ومدى التلازم بينهما



م/ن









 
 توقيع : سمارة







رد مع اقتباس