عرض مشاركة واحدة
قديم 02-08-2013, 06:26 AM   #6


الصورة الرمزية قيس
قيس غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1949
 تاريخ التسجيل :  Oct 2012
 أخر زيارة : 01-31-2014 (08:05 PM)
 المشاركات : 6,701 [ + ]
 التقييم :  71584925
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: حيــــــــــــ ذى(عثمـــــان بن عفـــــان) النــورين ــــــــــــاة




استخلاف ذى النورين ومنهجه في الحكم وأهم صفاته الشخصية




استخلاف ذى النورين



أولاً: الفقه العمرى فى الاستخلاف:
استمر اهتمام الفاروق t بوحدة الأمة ومستقبلها حتى اللحظات الأخيرة من حياته، رغم ما كان يعانيه من آلام جراحاته البالغة، وهي بلا شك لحظات خالدة، تجلى فيها إيمان الفاروق العميق وإخلاصه وإيثاره وقد استطاع الفاروق في تلك اللحظات الحرجة أن يبتكر طريقة جديدة لم يسبق إليها في اختيار الخليفة الجديد، وكانت دليلا ملموسًا, ومعلما واضحا على فقهه في سياسة الدولة الإسلامية. لقد مضى قبله الرسول ولم يستخلف بعده أحدا بنص صريح، ولقد مضى أبو بكر الصديق واستخلف الفاروق بعد مشاورة كبار الصحابة، ولما طلب من الفاروق أن يستخلف وهو على فراش الموت، فكر في الأمر مليًّا وقرر أن يسلك مسلكا آخر يتناسب مع المقام؛ فرسول الله × ترك الناس وكلهم مُقِرٌّ بأفضلية أبي بكر وأسبقيته عليهم، فاحتمال الخلاف كان نادرا وخصوصا أن النبي وجه الأمة قولا وفعلا إلى أن أبا بكر أولى بالأمر من بعده. والصديق لما استخلف عمر كان يعلم أن عند الصحابة أجمعين قناعة بأن عمر أقوى وأفضل من يحمل المسئولية بعده، فاستخلفه بعد مشاورة كبار الصحابة ولم يخالف رأيه أحد منهم، وحصل الإجماع على بيعة عمر، وأما طريقة انتخاب الخليفة الجديد فتعتمد على جعل الشورى في عدد محصور، وقد حصر ستة من صحابة رسول الله × كلهم يصلحون لتولي الأمر ولو أنهم يتفاوتون، وحدد لهم طريقة الانتخاب ومدته، وعدد الأصوات الكافية لانتخاب الخليفة وحدد الحكم في المجلس، والمرجح إن تعادلت الأصوات، وأمر مجموعة من جنود الله لمراقبة سير الانتخابات في المجلس، وعقاب من يخالف أمر الجماعة، ومنع الفوضى بحيث لا يسمحون لأحد يدخل أو يسمع ما يدور في مجلس أهل الحل والعقد. وهذا بيان ما أُجْمِل في الفقرات السابقة:

1- العدد الذي حدده للشورى وأسماؤهم:
أما العدد فهو ستة، وهم: علي بن أبي طالب، وعثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، والزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله رضي الله عنهم جميعا. وترك سعيد بن زيد وهو من العشرة المبشرين بالجنة، ولعله تركه لأنه من قبيلته بني عدي. وكان عمر حريصا على إبعاد الإمارة عن أقاربه، مع أن فيهم من هو أهل لها، فهو يبعد قريبه سعيد بن زيد عن قائمة المرشحين للخلافة.

2- طريقة اختيار الخليفة:
أمرهم أن يجتمعوا في بيت أحدهم ويتشاوروا وفيهم عبد الله بن عمر يحضر معهم مشيرا فقط وليس له من الأمر شيء، ويصلي بالناس أثناء التشاور صهيب الرومي، وقال له: أنت أمير الصلاة في هذه الأيام الثلاثة حتى لا يولي إمامةَ الصلاة أحدا من الستة فيصبح هذا ترشيحا من عمر له بالخلافة وأمر المقداد بن الأسود وأبا طلحة الأنصاري أن يرقبا سير الانتخابات

3- مدة الانتخابات أو المشاورة:
حددها الفاروق t بثلاثة أيام وهي فترة كافية وإن زادوا عليها، فمعنى ذلك أن شقة الخلاف ستتسع، ولذلك قال لهم: لا يأتي اليوم الرابع إلا وعليكم أمير.

4- عدد الأصوات الكافية لاختيار الخليفة:
أخرج ابن سعد بإسناد رجاله ثقات أن عمر t قال لصهيب: صلِّ بالناس ثلاثا وليخلُ هؤلاء الرهط في بيت، فإذا اجتمعوا على رجل فمن خالفهم فاضربوا رأسه فعمر t أمر بقتل من يريد أن يخالف هؤلاء الرهط وشق عصا المسلمين ويفرق بينهم عملا بقوله: «من أتاكم وأمركم جمع على رجل منكم يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه». وما جاء في كتب التاريخ من أن عمر t أمرهم بالاجتماع والتشاور، وحدد لهم أنه إذا اجتمع خمسة منهم على رجل وأبى أحدهم فيضرب رأسه بالسيف، وإن اجتمع أربعة وفرضوا رجلا منهم وأبى اثنان فاضرب رؤوسهما وهذه من الروايات التي لا تصح سندا، فهي من الغرائب التي ساقها أبو مخنف -الرافضي الشيعي- مخالفا فيها النصوص الصحيحة وما عرف من سير الصحابة رضي الله عنهم، فما ذكر أبو مخنف من قول عمر لصهيب: وقم على رؤوسهم -أي أهل الشورى- فإن اجتمع خمسة ورضوا رجلا وأبى واحد فاشدخ رأسه بالسيف، وإن اتفق أربعة فرضوا رجلا منهم وأبى اثنان فاضرب رؤوسهمافهذا قول منكر، وكيف يقول عمر t هذا وهو يعلم أنهم هم الصفوة من أصحاب رسول الله ، وهو الذي اختارهم لهذا الأمر لعلمه بفضلهم وقدرهم؟!!وقد ورد عن ابن سعد أن عمر قال للأنصار: أدخلوهم بيتا ثلاثة أيام، فإن استقاموا وإلا فادخلوا عليهم فاضربوا أعناقهم وهذه الرواية منقطعة وفي إسنادها (سماك بن حرب) وهو ضعيف، وقد تغير بآخره

5- الحكم في حال الاختلاف:
لقد أوصى بأن يحضر عبد الله بن عمر معهم في المجلس وأن ليس له من الأمر شيء، ولكن قال لهم: فإن رضي ثلاثة رجلا منهم وثلاثة رجلا منهم فحكموا عبد الله بن عمر، فأي الفريقين حكم له فليختاروا رجلا منهم، فإن لم يرضوا بحكم عبد الله بن عمر فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف، ووصف عبد الرحمن بن عوف بأنه مسدد رشيد، فقال عنه: ونعم ذو الرأي عبد الرحمن بن عوف، مسدد رشيد، له من الله حافظ، فاسمعوا منه

6- جماعة من جنود الله تراقب الاختيار وتمنع الفوضى:
طلب عمر أبا طلحة الأنصاري وقال له: يا أبا طلحة، إن الله -عز وجل- أعز الإسلام بكم، فاختر خمسين رجلا من الأنصار فاستحث هؤلاء الرهط حتى يختاروا رجلا منهم وقال للمقداد بن الأسود: إذا وضعتموني في حفرتي، فاجمع هؤلاء الرهط في بيت حتى يختاروا رجلا منهم
ومن فوائد قصة الشورى، جواز تولية المفضول مع وجود الأفضل؛ لأن عمر جعل الشورى في ستة أنفس مع علمه أن بعضهم كان أفضل من بعض، ويؤخذ هذا من سيرة عمر في أمرائه الذين كان يؤمرهم في البلاد؛ حيث كان لا يراعي الفضل في الدين فقط، بل يضم إليه مزيد المعرفة بالسياسة مع اجتناب ما يخالف الشرع منها، فاستخلف معاوية والمغيرة بن شعبة وعمرو بن العاص مع وجود من هو أفضل من كل منهم في أمر الدين والعلم؛ كأبي الدرداء في الشام، وابن مسعود في الكوفة

8- جمع عمر بين التعيين وعدمه:
جمع عمر بين التعيين، كما فعل أبو بكر أي تعيين المرشح، وبين عدم التعيين كما فعل الرسول ، فعين ستة وطلب منهم التشاور في الأمر

9- الشورى ليست بين الستة فقط:
عرف عمر أن الشورى لن تكون بين الستة فقط، وإنما ستكون في أخذ رأي الناس في المدينة فيمن يتولى الخلافة؛ حيث جعل لهم أمد ثلاثة أيام فيمكنهم من المشاورة والمناظرة لتقع ولاية من يتولى بعده عن اتفاق من معظم الموجودين حينئذ ببلده التي هي دار الهجرة، وبها معظم الصحابة وكل من كان ساكنا في بلد غيرها كان تبعا لهم فيما يتفقون عليه، فما زالت المدينة حتى سنة 23 هـ مجمع الصحابة؛ بل لأن كبار الصحابة فيها، حيث استبقاهم عمر بجانبه، ولم يأذن لهم بالهجرة إلى الأقاليم المفتوحة


10- أهل الشورى أعلى هيئة سياسية:
إن عمر أناط بأهل الشورى وحدهم اختيار الخليفة من بينهم، ومن المهم أن نشير إلى أن أحدا من أهل الشورى لم يعارض هذا القرار الذي اتخذه عمر، كما أن أحدا من الصحابة الآخرين لم يُثِر أي اعتراض عليه، ذلك ما تدل عليه النصوص التي بين أيدينا، فنحن لا نعلم أن اقتراحا آخر قد صدر عن أحد من الناس في ذلك العصر، أو أن معارضة ثارت حول أمر عمر خلال الساعات الأخيرة من حياته أو بعد وفاته، وإنما رضي الناس كافة هذا التدبير، ورأوا فيه مصلحة لجماعة المسلمين. وفي وسعنا أن نقول: إن عمر قد أحدث هيئة سياسية عليا، مهمتها انتخاب رئيس الدولة أو الخليفة، وهذا التنظيم الدستوري الجديد الذي أبدعته عبقرية عمر لا يتعارض مع المبادئ الأساسية التي أقرها الإسلام، ولا سيما فيما يتعلق بالشورى؛ لأن العبرة من حيث النتيجة للبيعة العامة التي تجرى في المسجد الجامع. وعلى هذا لا يتوجه السؤال الذي قد يرد على بعض الأذهان وهو: من أعطى عمر هذا الحق؟ ما مستند عمر في هذا التدبير؟ ويكفي أن نعلم أن جماعة من المسلمين قد أقرت هذا التدبير ورضيت به، ولم يسمع صوت اعتراض عليه، حتى نتأكد أن الإجماع -وهو من مصادر التشريع- قد انعقد على صحته ونفاذه. ولا ننسى أن عمر خليفة راشد، كما ينبغي أن نؤكد على أن هذا المبدأ -أهل الشورى أعلى هيئة سياسية- قد أقره نظام الحكم في الإسلام في العهد الراشدي، كما أن الهيئة التي سماها عمر تمتعت بمزايا لم يتمتع بها غيرها من جماعة المسلمين، وهذه المزايا منحت لها من الله وبلغها الرسول، فلا يمكن عند المؤمنين أن يبلغ أحد من المسلمين مبلغ هؤلاء العشرة من التقوى والأمانة.
هكذا ختم عمر حياته ولم يشغله ما نزل به من البلاء ولا سكرات الموت عن تدبير أمر المسلمين، وأرسى نظاما للشورى لم يسبقه إليه أحد، ولا يشك أن أصل الشورى مقرر في القرآن الكريم والسنة القولية والفعلية، وقد عمل بها رسول الله وأبو بكر ولم يكن عمر مبتدعا بالنسبة للأصل، ولكن الذي عمله عمر هو تعيين الطريقة التي يختار بها الخليفة وحصر عدد معين جعلها فيهم، وهذا لم يفعله الرسول ولا الصديق t بل أول من فعل ذلك عمر، ونعم ما فعل؛ فقد كانت أفضل الطرق المناسبة لحال الصحابة في ذلك الوقت.














ثانيًا: وصية عمر للخليفة الذي بعده:
أوصى الفاروق عمر الخليفة الذي سيخلفه في قيادة الأمة بوصية مهمة قال فيها: أوصيك بتقوى الله وحده لا شريك له، وأوصيك بالمهاجرين الأولين خيرا؛ أن تعرف لهم سابقتهم، وأوصيك بالأنصار خيرا، فاقبل من محسنهم وتجاوز عن مسيئهم. وأوصيك بأهل الأمصار خيرا، فإنهم ردء العدو، وجباة الفيء، لا تحمل منهم إلا عن فضل منهم، وأوصيك بأهل البادية خيرا، فإنهم أصل العرب، ومادة الإسلام, أن تأخذ من حواشي أموالهم فترد على فقرائهم. وأوصيك بأهل الذمة خيرا؛ أن تقاتل من وراءهم، ولا تكلفهم فوق طاقتهم، إذا أدوا ما عليهم للمؤمنين طوعا، أو عن يد وهم صاغرون. وأوصيك بتقوى الله والحذر منه، ومخافة مقته أن يطلع منك على ريبة، وأوصيك أن تخشى الله في الناس ولا تخشى الناس في الله، وأوصيك بالعدل في الرعية، والتفرغ لحوائجهم وثغورك، ولا تؤثر غنيهم على فقيرهم؛ فإن في ذلك -بإذن الله- سلامة لقلبك وحطًّا لوزرك، وخيرا في عاقبة أمرك حتى تفضي في ذلك إلى من يعرف سريرتك ويحول بينك وبين قلبك، وآمرك أن تشتد في أمر الله وفي حدوده ومعاصيه على قريب الناس وبعيدهم، ثم لا تأخذك في أحد الرأفة حتى تنتهك منه مثل جرمه، واجعل الناس عندك سواء، لا تبالِ على مَنْ وجب الحق، ولا تأخذك في الله لومة لائم، وإياك والمحاباة فيما ولاك الله مما أفاء على المؤمنين فتجور وتظلم وتحرم نفسك من ذلك ما قد وسعه الله عليك، وقد أصبحت بمنزلة من منازل الدنيا والآخرة، فإن اقترفت لدنياك عدلا وعفة عما بسط لك اقترفت به إيمانا ورضوانا، وإن غلبك الهوى اقترفت به غضب الله. وأوصيك ألا ترخص لنفسك ولا لغيرك في ظلم أهل الذمة، وقد أوصيتك وخصصتك ونصحتك، فابتغ بذلك وجه الله والدار الآخرة، واخترت من دلالتك ما كنت دالا عليه نفسي وولدي، فإن عملت بالذي وعظتك، وانتهيت إلى الذي أمرتك أخذت منه نصيبا وافرا وحظا وافيا، وإن لم تقبل ذلك ولم يهمك، ولم تترك معاظم الأمور عند الذي يرضى به الله عنك، يكن ذلك بك انتقاصا، ورأيك فيه مدخولا؛ لأن الأهواء مشتركة، ورأس الخطيئة إبليس داع إلى كل مهلكة، وقد أضل القرون السالفة قبلك فأوردهم النار وبئس المورود، وبئس الثمن أن يكون حظ امرئ موالاة لعدو الله الداعي إلى معاصيه. ثم اركب الحق، وخض إليه الغمرات، وكن واعظا لنفسك. وأناشدك الله إلا ترحمت على جماعة المسلمين، وأجللت كبيرهم، ورحمت صغيرهم، ووقرت عالمهم، ولا تضر بهم فيذلوا، ولا تستأثر عليهم بالفيء فتغضبهم، ولا تحرمهم عطاياهم عند محلها فتفقرهم، ولا تجمِّرهم في البعوث فينقطع نسلهم، ولا تجعل المال دولة بين الأغنياء منهم، ولا تغلق بابك دونهم فيأكل قويهم ضعيفهم، هذه وصيتي إليك، وأشهد الله عليك وأقرأ عليك السلام.
هذه الوصية تدل على بُعْد نظر عمر في مسائل الحكم والإدارة، وتفصح عن نهج ونظام حكم وإدارة متكامل؛ فقد تضمنت الوصية أمورا غاية في الأهمية، فحق أن تكون وثيقة نفيسة لما احتوته من قواعد ومبادئ أساسية للحكم، متكاملة الجوانب الدينية والسياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية يأتي في مقدمتها:



1- الحرص على تقوى الله وخشيته:
أ- الوصية بالحرص الشديد على تقوى الله والخشية منه في السر والعلن، في القول والعمل؛ لأن من اتقى الله وقاه, ومن خشيه صانه وحماه (أوصيك بتقوى الله وحده لا شريك له)، (وأوصيك بتقوى الله والحذر منه، وأوصيك أن تخشى الله).
ب- إقامة حدود الله على القريب والبعيد (لا تبالِ على مَنْ وجب الحق)، (ولا تأخذك في الله لومة لائم)؛ لأن حدود الله نصت عليها الشريعة فهي من الدين؛ ولأن الشريعة حجة على الناس وأعمالهم وأفعالهم تقاس بمقتضاها، وأن التغافل عنها إفساد للدين والمجتمع.
ج- الاستقامة (استقم كما أمرت)، وهي من الضرورات الدينية والدنيوية التي يجب على الحاكم التحلي بها قولا وعملا أولا ثم الرعية، (كن واعظا لنفسك) (وابتغ بذلك وجه الله والدار الآخرة).


2- الناحية السياسية، وتضمنت:
أ- الالتزام بالعدل؛ لأنه أساس الحكم، وإن إقامته بين الرعية تحقق للحكم قوة وهيبة ومتانة سياسية واجتماعية، وتزيد من هيبة واحترام الحاكم في نفوس الناس (وأوصيك بالعدل)، (واجعل الناس عندك سواء).
ب- العناية بالمسلمين الأوائل من المهاجرين والأنصار لسابقتهم في الإسلام، ولأن العقيدة وما أفرزته من نظام سياسي قام على أكتافهم، فهم أهله وحملته وحُمَاته (أوصيك بالمهاجرين الأولين خيرا، أن تعرف لهم سابقتهم، وأوصيك بالأنصار خيرا، فاقبل من محسنهم وتجاوز عن مسيئهم).



3- الناحية العسكرية، وتضمنت:
أ- الاهتمام بالجيش وإعداده إعدادًا يتناسب وعِظَم المسئولية الملقاة على عاتقه لضمان أمن الدولة وسلامتها، والعناية بسد حاجات المقاتلين (التفرغ لحوائجهم وثغورهم).
ب- تجنب إبقاء المقاتلين لمدة طويلة في الثغور بعيدا عن عوائلهم، وتلافيا لما قد يسببه ذلك من ملل وقلق وهبوط في المعنويات، فمن الضروري منحهم إجازات معلومة في أوقات معلومة يستريحون فيها ويجددون نشاطهم خلالها من جهة، ويعودون إلى عوائلهم لكي لا ينقطع نسلهم من جهة ثانية (ولا تجمرهم في الثغور فينقطع نسلهم)، (وأوصيك بأهل الأمصار خيرا، فإنهم ردء العدو).
ج- إعطاء كل مقاتل ما يستحقه من فيء وعطاء؛ وذلك لضمان مورد ثابت له ولعائلته يدفعه إلى الجهاد، ويصرف عنه التفكير في شئونه المالية (ولا تستأثر عليهم بالفيء فتغضبهم، ولا تحرمهم عطاياهم عند محلها فتفقرهم).



4- الناحية الاقتصادية والمالية، وتضمنت:

أ- العناية بتوزيع الأموال بين الناس بالعدل والقسطاس المستقيم، وتلافي كل ما من شأنه تجميع الأموال عند طبقة منهم دون أخرى (ولا تجعل الأموال دولة بين الأغنياء منهم).
ب- عدم تكليف أهل الذمة فوق طاقتهم إن هم أدوا ما عليهم من التزامات مالية للدولة (ولا تكلفهم فوق طاقتهم إذا أدوا ما عليهم للمؤمنين).
ج- ضمان الحقوق المالية للناس وعدم التفريط بها، وتجنب فرض ما لا طاقة لهم به (ولا تحمل منهم إلا عن فضل منهم)، (أن تأخذ حواشي أموالهم فترد على فقرائهم).



5- الناحية الاجتماعية، وتضمنت:
أ- الاهتمام بالرعية، والعمل على تفقد أمورهم وسد احتياجاتهم وإعطاء حقوقهم من فيء وعطاء.. (ولا تحرمهم عطاياهم عند محلها).
ب- اجتناب الأثَرَة والمحاباة واتباع الهوى؛ لما فيها من مخاطر تقود إلى انحراف الراعي، وتؤدي إلى فساد المجتمع واضطراب علاقاته الإنسانية (وإياك والأثرة والمحاباة فيما ولاك الله)، (ولا تؤثر غنيهم على فقيرهم).
ج- احترام الرعية وتوقيرها والتواضع لها، صغيرها وكبيرها، لما في ذلك من سمو في العلاقات الاجتماعية، تؤدي إلى زيادة تلاحم الرعية بقائدها وحبها له (وأناشدك الله إلا ترحمت على جماعة المسلمين، وأجللت كبيرهم ورحمت صغيرهم، ووقرت عالمهم).
د- الانفتاح على الرعية، وذلك بسماع شكاواهم وإنصاف بعضهم من بعض، وبعكسه تضطرب العلاقات بينهم ويعم الارتباك في المجتمع (ولا تغلق بابك دونهم، فيأكل قويهم ضعيفهم).
هـ- اتباع الحق والحرص على تحقيقه في المجتمع وفي كل الظروف والأحوال؛ لكونه ضرورة اجتماعية لا بد من تحقيقها بين الناس (ثم اركب الحق، وخض إليه الغمرات)، (واجعل الناس عندك سواء، لا تبالِ على مَنْ وجب الحق).
و- اجتناب الظلم بكل صوره وأشكاله، خاصة مع أهل الذمة؛ لأن العدل مطلوب إقامته بين جميع رعايا الدولة مسلمين وذميين؛ لينعم الجميع بعدل الإسلام (وأوصيك ألا ترخص لنفسك ولا لغيرك في ظلم أهل الذمة).
ز- الاهتمام بأهل البادية ورعايتهم والعناية بهم (وأوصيك بأهل البادية خيرا، فإنهم أصل العرب، ومادة الإسلام).
ح- وكان من ضمن وصية عمر لمن بعده: ألا يقر لي عامل أكثر من سنة، وأقروا الأشعري أربع سنين














ثالثـًا: منهج عبد الرحمن بن عوف في إدارة الشورى:



1- اجتماع الرهط للمشاورة:
لم يكد يفرغ الناس من دفن عمر بن الخطاب t حتى أسرع رهط الشورى وأعضاء مجلس الدولة الأعلى إلى الاجتماع في بيت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، وقيل إنهم اجتمعوا في بيت فاطمة بنت قيس الفهرية أخت الضحاك بن قيس، ليقضوا في أعظم قضية عرضت في حياة المسلمين، بعد وفاة عمر، وقد تكلم القوم وبسطوا آراءهم واهتدوا بتوفيق الله إلى كلمة سواء رضيها الخاصة والكافة من المسلمين


2- عبد الرحمن يدعو إلى التنازل:
عندما اجتمع أهل الشورى قال لهم عبد الرحمن بن عوف: اجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم، فقال الزبير: جعلت أمري إلى علي وقال طلحة: جعلت أمري إلى عثمان، وقال سعد: جعلت أمري إلى عبد الرحمن بن عوف، وأصبح المرشحون الثلاثة علي بن أبي طالب، وعثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، فقال عبد الرحمن: أيكما تبرأ من هذا الأمر فنجعله إليه والله عليه والإسلام لينظرن أفضلهم في نفسه فأسكت الشيخان، فقال عبد الرحمن بن عوف: أفتجعلونه إليَّ والله على أن لا آلو عن أفضلكما، قالا: نعم.


3- تفويض ابن عوف بإدارة عملية الشورى:
بدأ عبد الرحمن بن عوف اتصالاته ومشاوراته فور انتهاء اجتماع المرشحين الستة صباح يوم الأحد، واستمرت مشاوراته واتصالاته ثلاثة أيام كاملة، حتى فجر يوم الأربعاء الرابع من محرم وهو موعد انتهاء المهلة التي حددها لهم عمر، وبدأ عبد الرحمن بعلي بن أبي طالب فقال له: إن لم أبايعك فأشر عليَّ، فمن ترشح للخلافة؟ قال علي: عثمان بن عفان، وذهب عبد الرحمن إلى عثمان وقال له: إن لم أبايعك، فمن ترشيح للخلافة؟ فقال عثمان: علي بن أبي طالب... وذهب ابن عوف بعد ذلك إلى الصحابة الآخرين واستشارهم، وكان يشاور كل من يلقاه في المدينة من كبار الصحابة وأشرافهم، ومن أمراء الأجناد، ومن يأتي للمدينة، وشملت مشاورته النساء في خدورهن، وقد أبدين رأيهن، كما شملت الصبيان والعبيد في المدينة، وكانت نتيجة مشاورات عبد الرحمن بن عوف أن معظم المسلمين كانوا يشيرون بعثمان بن عفان، ومنهم من كان يشير بعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما. وفي منتصف ليلة الأربعاء، ذهب عبد الرحمن بن عوف إلى بيت ابن أخته: المسور بن مخرمة، فطرق البيت، فوجد المسور نائما فضرب الباب حتى استيقظ فقال: أراك نائما فوالله ما اكتحلت هذه الليلة بكبير نوم، انطلق فادع الزبير وسعدا، فدعوتهما له، فشاورهما ثم دعاني فقال: ادع لي عليا فدعوته فناجاه حتى ابهارَّ الليل ثم قام علي من عنده... ثم قال: ادع لي عثمان فدعوته فناجاه حتى فرق بينهما المؤذن بالصبح


4- الاتفاق على بيعة عثمان:
وبعد صلاة صبح يوم البيعة (اليوم الأخير من شهر ذي الحجة 23هـ/ 6 نوفمبر 644م) وكان صهيب الرومي الإمام إذ أقبل عبد الرحمن بن عوف، وقد اعتم بالعمامة التي عممه بها رسول الله , وكان قد اجتمع رجال الشورى عند المنبر، أرسل إلى من كان حاضرا من المهاجرين والأنصار وأمراء الأجناد منهم: معاوية أمير الشام، وعمير بن سعد أمير حمص، وعمرو بن العاص أمير مصر، وكانوا وافوا تلك الحجة مع عمر وصاحبوه
إلى المدينة
وجاء في رواية البخاري: فلما صلى للناس الصبح واجتمع أولئك الرهط عند المنبر فأرسل إلى كل حاضر من المهاجرين والأنصار، وأرسل إلى أمراء الأجناد وكانوا وافوا تلك الحجة مع عمر، فلما اجتمعوا تشهد عبد الرحمن ثم قال: أما بعد، يا علي إني قد نظرت في أمر الناس فلم أراهم يعدلون بعثمان، فلا تجعلن على نفسك سبيلا، فقال أبايعك على سنة الله ورسوله والخليفتين من بعده، فبايعه عبد الرحمن وبايعه الناس المهاجرون والأنصار وأمراء الأجناد والمسلمون وجاء في رواية صاحب (التمهيد والبيان) أن علي بن أبي طالب أول من بايع بعد عبد الرحمن بن عوف


5- حكمة عبد الرحمن بن عوف في تنفيذ خطة الشورى:
نفذ عبد الرحمن بن عوف خطة الشورى بما دل على شرف عقله، ونبل نفسه، وإيثاره مصلحة المسلمين العامة على مصلحته الخاصة ونفعه الفردي، وترك عن طواعية ورضا أعظم منصب يطمع إليه إنسان في الدنيا، ليجمع كلمة المسلمين، وحقق أول مظهر من مظاهر الشورى المنظمة في اختيار من يجلس على عرش الخلافة ويسوس أمور المسلمين، فهو قد اصطنع من الأناة والصبر والحزم وحسن التدبير ما كفل له النجاح في أداء مهمته العظمى، وقد كانت الخطوات التي اتخذها كالآتي:
أ- بسط برنامجه في أول جلسة عقدها مجلس الشورى في دائرة الزمن الذي حده لهم عمر، وبذلك أمكنه أن يحمل جميع أعضاء مجلس الشورى على أن يدلوا برأيهم، فعرف مذهب كل واحد منهم ومرماه، فسار في طريقه على بينة من أمره.
ب- وخلع نفسه وتنازل عن حقه في الخلافة ليدفع الظنون ويستمسك بعروة الثقة الوثقى.
ج- أخذ في تعرف نهاية ما يصبو إليه كل واحد من أصحابه وشركائه في الشورى، فلم يزل يقلب وجوه الرأي معهم حتى انتهى إلى شبه انتخاب جزئي فاز فيه عثمان برأي سعد ابن أبي وقاص، ورأي الزبير بن العوام، فلاحت له أغلبية آراء الأعضاء الحاضرين معه.
د- عمد إلى معرفة كل واحد من الإمامين: عثمان وعلي في صاحبه بالنسبة لوزنه من سائر الرهط الذي رشحهم عمر، فعرف من كل واحد منهم أنه لا يعدل صاحبه أحدا إلا فاته الأمر.
هـ- أخذ في تعرف رأي مَنْ وراء مجلس الشورى من خاصة الأمة وذوي رأيها، ثم من عامتها وضعفائها، فرأى أن معظم الناس لا يعدلون أحدا بعثمان، فبايع له، وبايعه عامة الناس
لقد تمكن عبد الرحمن بن عوف بكياسته وأمانته واستقامته ونسيانه نفسه بالتخلي عن الطمع في الخلافة والزهد بأعلى منصب في الدولة، أن يجتاز هذه المحنة وقاد ركب الشورى بمهارة وتجرد، مما يستحق أعظم التقدير
قال الذهبي: ومن أفضل أعمال عبد الرحمن عزله نفسه من الأمر وقت الشورى، واختياره للأمة من أشار به أهل الحل والعقد، فنهض في ذلك أتم نهوض على جمع الأمة على عثمان, ولو كان محابيا فيها لأخذها لنفسه، أو لولاها ابن عمه وأقرب الجماعة إليه سعد بن أبي وقاص
وبهذا تحققت صورة أخرى من صور الشورى في عهد الخلفاء الراشدين، وهي الاستخلاف عن طريق مجلس الشورى ليعينوا أحدهم بعد أخذ المشورة العامة، ثم البيعة العامة






 
 توقيع : قيس





رد مع اقتباس