عرض مشاركة واحدة
قديم 01-02-2018, 03:37 PM   #1


الصورة الرمزية المناضل
المناضل غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 2041
 تاريخ التسجيل :  Jun 2013
 أخر زيارة : 08-04-2018 (10:53 AM)
 المشاركات : 515 [ + ]
 التقييم :  100
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي .. فمُعتِقُها أو مُوبِقُها !



.. فمُعتِقُها أو مُوبِقُها !





.. فمُعتِقُها أو مُوبِقُها !



قال أبو بكر بن عيَّاش: قال لي رجل مرَّة وأنا شاب: خلِّص رقبتك ما استطعت في الدنيا من رقِّ الآخرة،
فإنَّ أسير الآخرة غير مفكوك أبداً . قال فو الله ما نسيتها بعدُ).


فهل ننساها نحن في خضم هذه الحياة الدنيا ؟! وهل يغيب عنَّا هذا المعنى الخطير المتعلق بمصيرنا وحياتنا ؟!




إنَّ نجاحنا في الآخرة مرتبط ارتباطاً وثيقاً بحقيقة سعينا في الحياة الدنيا، ومدى اهتمامنا بأنفسنا وتزكيتها ،



قال الله عزّ وجل: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} (الشمس).




وفي معنى الآية، قال المفسّرون: ( قد أفلح من زكى نفسه بطاعة الله، وخاب من دساها بالمعاصي،
فالطاعة تزكي النفس وتطهرها فترتفع بها والمعاصي تدسي النفس وتقمعها فتنخفض وتصير كالذي يدس في التراب).



وفي الحديث الصَّحيح يصف الرّسول عليه الصَّلاة والسَّلام سعي النَّاس في هذه الدنيا بقوله:
((.. كلُّ النَّاس يغدو، فبائع نَفْسَهُ فمعتقُها، أو مُوبِقها)). (أخرجه مسلم في صحيحه).
خلِّص رقبتك ما استطعت في الدنيا من رقِّ الآخرة، فإنَّ أسير الآخرة غير مفكوك أبداً




قال الإمام النووي: ( هذا حديث عظيم أصل من أصول الإسلام، قد اشتمل على مهمات من قواعد الإسلام).


وخرَّج الإمامان أحمد وابن حبَّان من حديث كعب بن عُجرة عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ((النَّاس غاديان فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها)).
وفي رواية أخرى خرَّجها الإمام الطبراني: ((الناس غاديان فبائع نفسه فموبقها وقائد نفسه فمعتقها)).
((كل النَّاس يغدو)): الغدو: هو السير في أول الصَّباح، والرواح: الرجوع في آخر النهار.
((معتقها)): أي محرّرها من العذاب.
((موبقها)): أوبقته الذنوب والخطايا : إذا قيدته وحبسته ، وقيل : إذا أهلكته.






ودلَّ الحديث على أنَّ كلَّ إنسان إمَّا ساع في هلاك نفسه أو في فكاكها، فمن سعى في طاعة الله فقد باع نفسه لله وأعتقها من عذابه
، ومن سعى في معصية الله تعالى فقد باع نفسه بالهوان وأوبقها بالآثام الموجبة لغضب الله وعقابه.


كلُّ إنسان يسعى بنفسه فمنهم من يبيعها لله تعالى بطاعته فيعتقها من العذاب ومنهم من يبيعها للشيطان والهوى باتباعهما فيوبقها أي يهلكها


قال الإمام النووي في شرح الحديث :

(كلُّ إنسان يسعى بنفسه فمنهم من يبيعها لله تعالى بطاعته فيعتقها من العذاب
ومنهم من يبيعها للشيطان والهوى باتباعهما فيوبقها أي يهلكها).




من يشرى نفسه ؟




قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ
وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}. (التوبة:111).


حين اجتمع الأنصار بالرَّسول عليه الصَّلاة والسَّلام عند العقبة قال عبد الله بن رواحة للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
اشترط لربك ولنفسك ما شئت؛ فقال النبيُّ صلّى الله عليه وسلم:

((أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم))


. قالوا : فإذا فعلنا ذلك فما لنا ؟
قال : ((الجنة)). قالوا: ربح البيع ، لا نقيل ولا نستقيل؛

فنزلت : {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ}





الآية. قال القرطبي: (ثمَّ هي بعد ذلك عامة في كل مجاهد في سبيل الله من أمة محمَّد صلّى الله عليه وسلّم إلى يوم القيامة).




قال صاحب الظلال:
(من بايع على هذا. من أمضى عقد الصفقة. من ارتضى الثمن ووفى. فهو المؤمن .. فالمؤمنون هم الذين اشترى الله منهم فباعوا .

. ومن رحمة الله أن جعل للصفقة ثمناً، وإلاَّ فهو واهب الأنفس والأموال، وهو مالك الأنفس والأموال .


ولكنه كرم هذا لإنسان فجعله مريداً؛ وكرمه فجعل له أن يعقد العقود ويمضيها - حتى مع الله - وكرمه فقيده بعقوده وعهوده؛

وجعل وفاءه بها مقياس إنسانيته الكريمة؛ ونقضه لها هو مقياس ارتكاسه إلى عالم البهيمة).


وقال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ}. (البقرة:207).



{يشري} معناه يبيع ، ومنه { وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ}. (يوسف : 20) أي: باعوه ، وأصله الاستبدال.



وفي الجامع لأحكام القرآن للقرطبي : (قيل : الآية عامة، تتناول كل مجاهد في سبيل الله ، أو مستشهد في ذاته أو مغير منكر).


وقد اشترى جماعة من السلف أنفسهم من الله عزَّ وجل بأموالهم؛ فمنهم من تصدق بماله كله كحبيب بن أبي محمد
ومنهم من تصدق بوزنه فضة ثلاث مرات أو أربعاً؛ كخالد بن الطحاوي، ومنهم من كان يجتهد في الأعمال الصَّالحة،
ويقول: إنما أنا أسير أسعى في فكاك رقبتي منهم عمرو بن عتبة.





قال الحسن البصري: (المؤمن في الدنيا كالأسير يسعى في فكاك رقبته لا يأمن شيئاً حتى يلقى الله عزَّ وجل)





. وقال : (ابن آدم، إنَّك تغدو وتروح في طلب الأرباح، فليكن همك نفسك فإنك لن تربح مثلها أبداً) .
وكان بعضُ السلف يبكي ويبكي، ويقول: (ليس لي نفسان، إنَّما لي نفس واحدة إذا ذهبت لم أجد أخرى).
وقال محمد بن الحنفية : (إنَّ الله عزَّ وجل جعل الجنة ثمناً لأنفسكم، فلا تبيعوها بغيرها). وقال أيضاً: (من كرمت نفسه عليه لم يكن للدنيا عنده قدر) .




وأنشد بعض المتقدّمين:
أثامنُ بالنفس النفيسة ربَّها ... وليس لها في الخلق كلهم ثمن
بها تملك الأخرى فإن أنا بعتها ... بشيء من الدنيا فذاك هو الغبن
لئن ذهبت نفسي بدنيا أصيبها ... لقد ذهبت نفسي وقد ذهب الثمن






 

رد مع اقتباس